من وصايا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الإيمان والإستقامة طريق الفلاح

عن ابي عمرة سفيان بن عبد الله _ رضى الله عنه_ قال: قلت يارسول الله قل لي في الإسلام قولا , لا اسال عنه أحدا غيرك..قال( قل آمنت بالله , ثم استقم))...رواه مسلم

أيها الفتيان والفتيات:

هذا رجل يريد أن يتعلم شرائع دينه فيذهب غلي الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لياخذ الحكمة من منبعها حتى لا يضل ولا يشقى..

وهذا الرجل يريد قولا جامعا شافيا , لا يحتاج بعده إلي سؤال...

هنا يقول له الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مرشدا وموجها( قل آمنت بالله ثم استقم))..
الإيمان بالله أولا ..بأنه الواحد الأحد.. الإيمان بأنه الخالق والرازق والحامي.. الإيمان بأنه الشافي حين نمرض والمطعم والساقي .. حين نجوع ونعطش.. الإيمان بأنه القوي القادر..
ثم بعد هذا الإيمان تكون الإستقامة ..فلا يليق أبدا أن تؤمن بالله وتكذب وتنافق.. ولا يليق أبدا أن تؤمن بالله وتزني وتسرق.. ولا يليق أبدا أن تؤمن بالله وتختلس وترتشي.. ولا يليق أبدا ان تؤمن بالله وتشهد الزور.. ولا يليق أبدا أن تؤمن بالله وهو يراك نهاك ويفتقدك حيث أمرك...

وكيف تاتي الإستقامة مع شيء من الأعوجاج ..؟!!

وغاية الإستقامة ونهايتها : ألا يلتفت العبد الى غير الله تعالى وهى الدرجة القصوى التى بها كمال المعارف ولاأحوال , وصفاء القلوب فى الاعمال, وتنزيه العقائد عن مفاسد البدع والضلال..
قال ابو القاسم القشيري _ رحمه الله_ : من لم يكن مستقيما في حاله , ضاع سعيه وخاب جده.

ولذا قيل : لايطيق الأستقامة إلا الأكابر.. والمقصود بالأكابر ( العظماء في العبادة والطاعة))

والإستقامة : لا تحصل إلا بالخروج عن المألوف ومفارقة العادات, والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق..

ومن هذا نعلم : أن الاسلام توحيد وطاعة .. فالتوحيد فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((قل آمنت )) والطاعة بجميع أنواعها في قوله((ثم استقم)).

وأعظم ما يراعي إستقامته بعد القلب اللسان : فإنه ترجمان القلب والعبر عما بداخله , والحاكي لما يكنه..

وقد أخرج الإمام أحمد (( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه, ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)).
وفي كثير من المواقف : يكون اللسان أضر من سيف قاطع.

قال سفيان الثوري : لأن ترمي إنسانا بسهم أهون من أن ترميه بلسانك .. فإن السهم قد يخطئه واللسان لا يخطئه..
وقيل جراحات السهام لها التئام.... ولا يلتام ماجرح اللسان

والإستقامة: خير من ألف كرامة, وما أكرم الله عبدا بكرامة خيرا من الإستقامة..

ولهذا لم ينقل عن الصحابة _ رضى الله عنهم_ ببركة النبي ( صلى الله عليه وسلم) وصحبتهم له ومعاصرة الوحي , وتردد الملائكة وهبوطها بين يديه.. تنورت قلوبهم , وزكت نفوسهم, فعاينوا الآخرة , واستغنوا بما أعطوا عن رؤية الكرامة واشتغلوا بالعبادة والاستقامة , وزهدوا في الدنيا الفانية..
لقد وضعوا نصب أعينهم قول الله سبحانه (( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ماتشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدعون* نزلا من غفور رحيم)) فصلت : 30-32.

يافتيان الاسلام وفتياته:

اعلموا : ان من اطاع الله أطاعه كل شيء.. ومن خاف الله تعالى خافه كل شيء..

ومع هذه القصة لنرى ماذا يفعل الإيمان القوي في قلوب الرجال..

كان الحجاج بين يوسف الثقفي يبحث عن سعيد بن جبير .. العالم الزاهد , الورع التقي_ وكان الحجاج يريد أن يقتله..
فلما جاء سعيد بن جبير مع حراس الحجاج ووقف أمام الحجاج , قال له: ما اسمك ..؟ قال سعيد بن جبير , قال: انت شقي بن كسير, قال سعيد بل أمي كانت أعلم باسمي منك.. قال شقيت أنت وشقيت أمك.
قال سعيد : الغيب يعلمه غيرك..!
قال الحجاج : لأبدلنك بالدنيا لظى ( اسم من اسماء النار) قال سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها( إله ).. قال : فما قولك في محمد..؟ قال سعيد : نبي الرحمة. قال : فما قولك في علي.. هل هو في الجنة أم في النار..؟
قال : لو دخلتهما وعرفت اهلهما عرفت من فيهما.. قال : فما قولك في الخلفاء..؟
قال : لست بوكيل ..!
قال : فأيهم اعجب لك..؟
قال : أرضاهم لخالقي.. قال: فايهم ارضى للخالق..؟
قال : علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم..
قال الحجاج : اختر لنفسك قتلة أقتلك بها! قال سعيد: بل اختر لنفسك أنت ياحجاج فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة... قال الحجاج أتريد أن أعفوا عنك..؟
قال : إن كان العفو فمن الله , وأما أنت فلا..!!
قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرج سعيد بن جبير من الباب ضحك . فقال له الحجاج : ما اضحكك..؟
قال: عجبت من جراءتك على الله , وحلم الله عليك..!!
إلي هذا الحد الرائع كان إيمان سعيد..
وإلي هذا الحد الرائع كانت إستقامته..
ماخاف ولا فزع ومازلزل...إنه الإيمان الذي يزلزل الجبال , ويهد قلاع الباطل والضلال..

قال تعالى( فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله *وما ضعفوا وما استكانوا)).
( آل عمران :147).