رسائل إيمانية (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

العمل الصالح الخالص لوجه الله الذي لا يخالطه رياء أو نفاق أو سمعة أو خداع يورث زيادة الإيمان وقوة العقيدة..فالإخلاص لله بالعبادة يزيد من تعظيم الله في القلب وإفراده بالإلوهية والربوبية –مقتضيات العقيدة السليمة.. فيقدم على أثرها الفرد أوامر الله على أوامر النفس والشيطان فيصحب ما يريده الله ويكره ما نهى عنه الله..

وهذا ما كان عليه السلف الصالح من إيمان وعمل صالح وإحسان..

๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ô๑.๑ ô๑.๑ ô๑.๑ô๑


الرسالة الثانية: احرص على نقاء بصيرتك..

البصيرة هي ما قاله الراغب الأصفهاني في المفردات:(قوة القلب المدركة، وقد قال قبلها؛ البصر يقال للجارحة. وجمع البصر أبصار وجمع البصيرة بصائر)

ومحلها القلب لقوله تعالى:" أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"[الحج:46].
يقول القرطبي في تفسيره:(أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن..)..

والبصيرة تضعف وتزيد.. وضعفها يكون بزيادة السيئات والران في القلب..وبقدر ضعفها يكون الغفلة والتيه في الدنيا وبالتالي الحساب والعقاب..أما زيادتها فتكون بزيادة التقوى والإيمان وبتفاوتها يتفاوت النعيم في الآخرة.. قال مجاهد بن جبر:(لكل عين أربع أعين؛ يعني لكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه وعينان في قلبه لآخرته..) فمن كان قلبه أعمى عن الحق وإتباعه فهو في الآخرة في النار..قال تعالى:" وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً "[الإسراء:72]..

وكلنا مؤمن بالحساب والسؤال في اليوم الآخر..فمن كان أعمى عن الحق في الدنيا يكون أعمى عن الأجوبة المنجية من الهلاك عند السؤال..فالإيمان يحمل صاحبه للتفكر في الآخرة والاستعداد لها..

ويصاب الفرد بعمى البصيرة لتراكم الران والسيئات على القلب فتغطيه وتدفنه فلا يعقل صاحبه ولا يفقه فيعيش كالبهائم والأنعام كل همه إشباع شهواته وإسكات غرائزه.. أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه. وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في القرآن))، (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [المطففين:14]. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (إن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القبر، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق). وقيل:

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

وقلب المؤمن مرآته يبصر فيها الحق فيتبعه ويبصر بها الباطل فيتجنبه.. وبقدر تقوى الفرد وإيمانه تكون قوة بصيرته وحساسيته تجاه الباطل..وتزيد حلاوة الإيمان في قلبه ..فيأسر ذاك القلب لله وحده فلا يتخلى عن هذا الدين أبدا مهما كانت المغريات ونتائج التمسك بهذا الدين..قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: " كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق اثنتين، وما يصده ذلك عن دينه..."[صحيح البخاري] ومثلها أصحاب الأخدود قال تعالى: "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"[البروج:4-9]
قوة عقيدة أعانتهم على الثبات على الحق فلم يتزعزعوا عنه..

وما انجرفنا نحن خلف المغريات والشهوات إلا لعمى بصائرنا وضعف عقيدتنا بسبب تهاوننا وتعريضنا لقلوبنا للذنوب والمعاصي..
فقدمنا أوامر النفس والشيطان على أوامر الله..فهانت علينا أنفسنا نسوقها للهلاك في النار!!

وما خلاصنا -رحمني الله واياكم- إلا في الصدق في عبادة الله ليتساوى ظاهرنا وباطننا فالأصل الإسلام ظاهرا والإيمان باطنا..



ومن هنا أوجه رسالة لكل من يحمل "لا إله إلا الله" في قلبه:

خلق القلب للعقل والتفقه و به سرورك وهناؤك.. يقول الرسول الكريم عليه وعلى آله الصلاة والتسليم: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [البخاري ومسلم]..فلا تملأه أو تستعمله لغير ما خلق له..وحافظ على نقاء بصيرتك من الذنوب فتسلم في الدنيا والآخرة..


"انتظروا الرسالة الثالثة"

أختكم\ اليقيـــــــــن