تذكرني !
تابعنا على
Bleach 25-26 منتديات العاشق
القسم الإسلامي العام
(القسم تحت مذهب أهل السنة والجماعة)
(لا تُنشر المواضيع إلا بعد إطلاع وموافقة إدارة القسم)

  #1  
قديم 10-17-2015, 12:43 PM
الصورة الرمزية ❄ Ace kun «  
رقـم العضويــة: 331017
تاريخ التسجيل: Oct 2014
الجنس:
المشـــاركـات: 8,669
نقـــاط الخبـرة: 2869
Icons16 إرشاد الفحول إلى التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ~



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف حال أعضاء وزوار منتدى العاشق

أسأل الله أن يرزقنا العلم والعمل معاً.




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من

يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له والحمد لله الذي أخرجنا بالإسلام من ظلمات

الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ، والحمد لله

الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، وشرع الإسلام وجعل له منهجاً وأعز أركانه

على من غالبه ، فجعله أمناً لمن تمسك به ، وسلماً لمن دخله ، وبرهاناً لمن تكلم به ،

وشاهداً لمن خاصم عنه ، ونوراً لمن استضاء به ، وفهماً لمن عقل ، ولباً لمن تدبر ، وآيةً لمن

توسم ، وتبصرةً لمن عزم ، وعبرة لمن اتعظ ، ونجاة لمن صدق ، وثقة لمن توكل ، وراحة لمن

فوض ، وجنة لمن صبر وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده

ورسوله، أرسله بدين الهدى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فأنار به سبل الخير، ودروب

الرشاد، فأمات الكفر والضلالات، ومحا الزيغ والهوى، وأحيا السنن، وأمات البدع، عليه الصلاة

والسلام، وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد.




إنَّ نِعمَ الله تعالى جميلة كريمة، ومِننَه جزيلة عظيمة، وآثارها غزيرة عَمِيمَة، وإنَّ المرء إذا أَنْعَمَ

نظره وأمعن فكره فيها؛ وجد في نفسه ما يدفعه إلى حسن التَّأمُّل وطيب التَّحلِّي والتَّجمُّل بهذه

النِّعم، مستظهرًا بها، مستشعرًا إيَّاها؛ ذلك أنَّ الله يحبُّ أن يرى أثـر نعمتـه على عبده ﴿وَمَا بِكُم

مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله﴾[النحل:53].


ونِعمُ الله لا تُحاط بحدٍّ ولا تُحصى بعدٍّ، قال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾[إبراهيم:34].

فَمِنْ نِعَمِ الله على العالمين: إرسال النَّبيِّ الأمين إلى النَّاس كافَّةً؛ رحمةً لهم أجمعين، قال

تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف:158]، وقال تعالى: ﴿وَمَا

أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾[سبأ:28]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾[الأنبياء:107]،

وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رواه الحاكم وهو في «السلسلة الصحيحة»

للألباني رقم (490).


ومن بالغ إفضاله وسابغ امتنانه على المؤمنين أن بعث فيهم رسولًا إليهم من جنسهم؛ ليتمكَّنوا

من مخاطبته ومجالسته وسؤاله ومراجعته في فهم الكلام عنه والانتفاع به، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ

الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ

وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين﴾[آل عمران:164].


ومن أبلغ الامتنان على عباده، إرسال هذا الرَّسول الكريم الَّذي أنقذهم الله به من الضَّلالة،

وعصمهم من الهلكة؛ يأمرهم بالمعروف ـ بالتَّوحيد والطَّاعة وسائر مكارم الأخلاق ـ، وينهاهم عن

المنكر ـ الشِّرك والمعصية وسائر مساوئ الأخلاق ـ قال حذيفة بن اليمان للرَّسول صلى الله عليه

وسلم: «يا رسول الله! إنَّا كنَّا في جاهلية وشرٍّ وجاء الله بهذا الخير...» رواه البخاري (3606،

7084)، وهو شديد الرَّأفة عليهم وأرحم بهم من وَالِدِيهم، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

للأنصار عندما بلغته عنهم مقالة: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ بي،

وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي، وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي»، [كلَّما قال شيئًا قالوا:] «الله ورسوله

أمنُّ...»رواه البخاري (4330) ومسلم (1061).


وهو صلى الله عليه وسلم في غاية العناية بالمؤمنين والسَّعي في جلب الخير وإيصاله إليهم

والحرص على هدايتهم، يدفع عنهم الشَّرَّ ويكْرَهُهُ لهم، ويرأف بهم رأفةَ الأمِّ على ولدها أو أكثر،

ويشقُّ عليه ما يشقُّ عليهم ويعنتهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا

عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم﴾[التوبة:128]، بل كانت شفقته على قومه كافَّة،

مؤمنهم وكافرهم، محبّهم ومبغضهم.


فعن عائشة رصي الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدَّ

من يوم أُحُدٍ؟ قال: «لَقيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدّ مَا لَقيتُ مِنْهُمْ يَوْم العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي

عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيل بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي،

فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ،

فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ

بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ».


قَالَ: «فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا

مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ، فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ

الأَخْشَبَيْنِ».


فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ

لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»رواه البخاري (3231) ومسلم (1795).


وفي الحديث بيانُ صبرِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم في سبيل دعوته، وحلمه على قومه،

وصفحه عن خصمه، وتجاوزه عن أذاهم، حيث استأْنَى بهم واستبقاهم من الهلاك الَّذي حاق

بهم، أملًا في الله ورجاءَ أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له.


فيا لها من سريرة نقيَّة، وسيرة طيِّبة مرضيَّة لمن أراد خير الآخرة، وحكمة الدُّنيا، وعدل السِّيرة،

واستحقاق الفضائل بأسرها والاحتواء على محاسن الأخلاق كلِّها، فعن عمرو بن العاص رضي

الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبل بوجهه وحديثه على أشرِّ القوم،

يتألَّفهم بذلك، فكان يُقبل بوجهه وحديثه عليَّ، حتَّى ظننتُ أنِّي خيرُ القوم، [فقلت: يا رسول

الله! أنا خير أو أبو بكر؟ قال: «أبو بكر»]، فقلت: يا رسول الله! أنا خيرٌ أو عمر؟ فقال: «عمر»،

فقلت: يا رسول الله! أنا خير أم عثمان؟ قال: «عثمان»، فلما سألتُ رسول الله صلى الله عليه

وسلم فَصَدَقَنِي، فَلَوَدِدْتُ أنِّي لم أَكُنْ سألتُه» حديث حسن: خرجه الألباني في «مختصر

الشمائل» (295).


وكانت دعوته لقومه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتَّى إنَّ كلامه ليأخذ بمجامع القلوب، ويسبي

الأرواح، لما فيه من حلاوة المنطق وسرعة الأداء وعذب الكلام، بعيدًا عن الفحش والتَّفحُّش

والجدل والخصام، ممتَثلًا أمر الملك العلَّام: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[النحل:125].


وعن عائشة رضي الله عنهما قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منتصرًا من

مظلمةٍ ظُلمها قطُّ ما لم ينتهك من محارم الله شيء، فإذا انتُهك من محارم الله شيء كان من

أشدِّهم في ذلك غضبًا، وما خيِّر بين أمرين إلَّا اختار أيسرهما؛ ما لم يكن مأثَمًا»«مختصر

الشمائل» للألباني رقم (300) وهو بلفظ مقارب لما في «الصحيحين».


وإنَّ دعوته صلى الله عليه وسلم قويَّة في مبناها وقويمة في معناها، سَنيَّة معالمها وسُنِيَّة

خصائصها قائمة على الفهم السَّليم، وسائرة في النَّهج القويم، على هدي ما جاء في القرآن

الكريم: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَاْ مِنَ

الْمُشْرِكِين﴾[يوسف:108].


وكان بلاغه جامعًا وعامًّا، وبيانه نافعًا وهامًّا، وكلامه مانعًا وتامًّا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ

مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾[المائدة:67]، فكان القدوة المثاليَّة للدُّعاة الحكماء، والأسوة الواقعية للوعاة

الأمناء.


فبلَّغ خير بلاغ، وأدَّى حقَّ أداء، ونصح أتمَّ النُّصح، وأشهد أصحابه على ذلك: «أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟»

فشهدوا له بذلك: «أدَّيت ونصحت وبلَّغت» فأشهد الله على ذلك: «اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ»كما في خطبته

عام حجة الوداع من حديث جابر وهو في «صحيح مسلم» برقم (1218)، وعن عائشة رضي الله

عنها قالت: «من حدَّثك أنَّ محمَّدًا كَتَمَ شيئًا ممَّا أُنزل عليه فقد كذب»رواه البخاري في

«صحيحه» (4612).


ولم يكن يعظ أصحابه كلَّما جلس إليهم، وإنَّما كان يتخوَّلهم بالموعظة خشيةَ السَّآمة عليهم،

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة في الأيَّام،

كراهية السَّآمة علينا»رواه البخاري (68)؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان طويل السُّكوت لا يتكلَّم

في غير حاجة، ولا يتكلَّم فيما لا يعنيه، ولا يتكلَّم إلَّا فيما يرجو ثوابه، قالت عائشة رضي الله

عنها: «إنَّما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يحدِّث حديثًا لو عدَّهُ العادُّ لأحصاه»البخاري (3303)،

مسلم (5325).


وكان يخطب بما تقتضيه حاجة أصحابه ـ المخاطبين ـ ومصلحتهم، وهو صلى الله عليه وسلم

سيِّد الفصحاء، وإمام البلغاء، فصيح المنطق واللِّسان، سَلِسُ الأسلوب والبيان، قويُّ الحجَّة

وسويُّ المحجَّة، كيف لا وقد آتاه ربُّه جوامع الكلم وخصَّه ببدائع الحكم كما قال عليه السلام:

«أُعْطِيتُ فَوَاتِحَ الكَلَامِ وَجَوَامِعَهُ وَخَوَاتِمَهُ»«صحيح الجامع» (1058) فلأجل ذلك كان نصحه محلَّ

الإذعان والقبول، ووعظه يَسْبِي القلوب ويسحر العقول، فعن العرباض بن سارية السُّلمي قال:

«وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون،

فقلنا: يا رسول الله كأنَّها موعظة مودِّع فأوصنا... الحديث»أبو داود (4607) والترمذي (2678) وابن

ماجة (42)، انظر: «الصحيحة» (937).


وكان صلى الله عليه وسلم يستنكر من الكلام ما يشوش الأفهام، ويشكل فهمه على الأنام،

فقد خطب رجل عنده صلى الله عليه وسلم فقال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما

فقد غوى»، فقال صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ الخَطِيبُ أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ»

مسلم في «صحيحه» (870).


وعلَّم أصحابه ما لم يكونوا يعلمونه، ممَّا لهم فيه نفع وصلاح من علوم الدُّنيا والدِّين، والفضائل

والآداب، وأبواب الخير ودروب المعروف، كما قال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ

آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون﴾[البقرة:151].


وعن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال: «لقد تركنا محمَّد صلى الله عليه وسلم وما يحرِّك طائر

جناحيه في السَّماء إلَّا أذْكَرَنَا منه علمًا»حديـث حـسـن: رواه أحـمد (5 /153) رقـم (21399)،

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الجَنَّةِ وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ إِلَّا وَقَدْ

بُيِّنَ لَكُمْ»رواه الطـبـراني في «الـكبـيـر» (1647)، انظـر: «الصحيحة» (1803)، وجاء رجل إلى

سلمان الفارسيِّ فقال: «قد علَّمكم نبيُّكم صلى الله عليه وسلم كلَّ شيء حتَّى الخِراءة» رواه

مسلم (262).


وكان صلى الله عليه وسلم ليِّنًا سهلًا مع كلِّ من يقابله في حسن عشرته، وسهولة معاملته،

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين،

والله ما قال لي أفًّا قط، ولا قال لي لشيء: لِمَ فعلت كذا وهلَّا فعلت كذا» البخاري (6031)

ومسلم (2309) واللفظ له، كما كان أحلم النَّاس عند مقدرته، وأصبرهم على مكرهته متحلِّيًا بما

وصفه به ربُّه حيث قال له: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ

حَوْلِكَ﴾[آل عمران:159].


وكان يأتيه السَّائل ويشدِّد عليه في المسألة، فلا يزيده ذلك إلَّا حلمًا، ولا يخرجه الغضب أن يقول

هُجرًا أو فحشًا، وكان يعلِّمهم أدب السُّؤال وينهاهم عن الخصام والجدال، والاشتغال بما لا يعني

في الحال والمآل، فيقول خوفًا عليهم وشفقة بهم: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ

بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ

عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ»رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).


فلأجل هذا كلِّه، كان حقُّه صلى الله عليه وسلم على أمَّته عظيمًا، وقدره بيـنهم كريمًـا ﴿النَّبِيُّ

أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾[الأحزاب:6]، فلا يُتَقَدَّم بين يديه، ولا يُتعجَّل بقضاء أمر قبل قضائه

وحكمه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله سَمِيعٌ

عَلِيم﴾[الحُجُرات:1]، وقال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ

لَعَنِتُّمْ﴾[الحُجُرات:7]، بل إنَّ طاعته واجبة حيث جاء الأمر بها في غير ما آية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا

الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم﴾[محمد:33]، وقال أيضا: ﴿وَمَا آتَاكُمُ

الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾[الحشر:7].


وإن مخالفته خطيئة جسيمة، وعاقبة صاحبها وخيمة، منذرة بالفتنة والعقاب، موجبة لأليم

العذاب، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ

أَلِيم﴾[النور:63].


وقد ضرب صلى الله عليه وسلم مثلًا لذلك مع من أطاعه أو عصاه، فقال: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ مَا

بَعَثَنِي اللهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ،

فَالنَّجَاء! فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلجوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ

فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ،

وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ»البخاري (7283) ومسلم (2283).


وكما هو حريص على أمَّته، رحيم بأصحابه، شفيع لأتباعه، فإنَّه شهيد عليهم عند ربِّه، وكانت

أمَّتُه ـ بطاعته ومتابعته ـ شهيدة على سائر الأمم، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا

لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة:143]، وقال صلى الله عليه

وسلم: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ،

فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ،

فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة:143] فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ

جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ

شَهِيدًا﴾[البقرة:143]البخاري (4487)،


وفي الحديث بيان فضل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وفضل أمَّته؛ لأنَّ الله أنزلها منزل العدول من

الحكَّام، فإذا حكم الله يوم القيامة بين العباد، وجحدت الأمم بتبليغ الرِّسالة بين الأشهاد، أحْضر

أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم فيشهدون على النَّاس بأنَّ رسلهم بلَّغتهم، وهذا ممَّا اختصَّه

الله به، واختصَّ أمَّته كذلك بفضائل وخصائص دون غيرها من الأمم.


وممَّا فضّل به صلى الله عليه وسلم أنَّ الله تعالى يكتب لكلِّ نبيٍّ من الأنبياء من الأجر بقدر

أعمال أمَّته وأحوالها وأقوالها، وأمَّته صلى الله عليه وسلم شطر الجنَّة كما جاء في الخبر الصَّحيح.


فلهذه الفضائل وغيرها كانت هذه الأمَّة الطيِّبة المباركة ـ زادها الله عزًّا وشرفًا ـ خير أمَّة أخرجت

للنَّاس كما قال تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ

وَتُؤْمِنُونَ بِالله﴾[آل عمران:110].


وإنَّما كانوا خير الأمم لما اتَّصفوا به من المعارف والأحوال والأقوال والأعمال، فما من معرفة ولا

حالة ولا عبادة ولا مقالة ممَّا يتقرَّب به إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ممَّا دلَّ عليه رسول الله صلى الله

عليه وسلم أو دعا إليه إلَّا وله أجر من عمل به إلى يوم القيامة، ولا يبلغ أحد من الأنبياء إلى

هذه الرُّتبة.


وإنَّ فضل هذه الأمَّة إنَّما يبقى ويثبت بمدى قيامها على هديه وسنَّته، واستقامتها على نهجه

وسيرته، وإنَّ حالها عند مفارقتها لما جاء به الرَّسول صلى الله عليه وسلم كالحوت إذا فارق

الماء.


فمن أعيته هذه النَّظرة اتجاه نبيِّه، فلا يغني عنه أن يَسمع سيرة أو يُردِّدَ مدْحًا أو يزعم حبًّا،

فلننظر ما في نفوسنا من دينه، وماذا في أخلاقنا من أخلاقه، وماذا في أيدينا من سيرته

وسنَّته، وقد قال الله لنا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ

الآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيرًا﴾[الأحزاب:21].





جملة مختصرة عن سيرة النَّبيِّ الحبيب، وضعتها بين يديك؛ تذكيرًا منِّي إليك، عسى أن تنهض

همَّتك لتزكية نفسك وإصلاح شأنك على هدى نبيِّك، ملتقى الأخلاق الفاضلة ومثال السماحة

الكاملة.




وفي الختام أود شُكر المصمم المبدع Tidus على الطقم الجميل

استودعكم الله الذي لاتضيع ودائعه


المصدر :: هنــــا

بنر الموضوع ..



.
.
.


رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع إرشاد الفحول إلى التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ~:
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صور سيف الرسول صلى الله عليه وسلم هالة سرحان قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة 4 09-09-2011 05:14 AM
الى كل من يحب الرسول صلى الله عليه وسلم.. Dr. Noni قسم الأرشيف والمواضيع المحذوفة 1 05-31-2011 11:53 PM
في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم : رائحة المطر القسم الإسلامي العام 2 05-01-2010 10:39 PM
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم - للأطفال ( البدء ) abouali قسم الأدب العربي و العالمي 2 11-30-2009 05:00 PM

الساعة الآن 06:33 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

كُل ما يُكتب أو يُنشر في منتديات العاشق يُمثل وجهة نظر الكاتب والناشر فحسب، ولا يمثل وجهه نظر الإدارة

rel="nofollow" maxseven simplicity and clarity