تذكرني !
تابعنا على
Bleach 25-26 منتديات العاشق
قسم القصص والروايات قسم يختص بالقصص والروايات من الإبداع الشخصي للأعضاء
(يُمنع المنقول منعًا باتًا)

  #1  
قديم 04-26-2014, 02:14 PM
الصورة الرمزية القمر الذهبي  
رقـم العضويــة: 170879
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الجنس:
المشـــاركـات: 24
نقـــاط الخبـرة: 20
Icons28 رواية الوجه الآخر للحقيقة .... الفصل السادس ....الماضي والحاضر ....

الفصل السادس : ......الماضي والحاضر.....
كان ظلام الليل حالكاً عندما انسل خمسة أشباح في خفةٍ حذرةً ألا يشعر بها أحد إلى طرف قصي في القرية في مكان لا تطرقه الأقدام ولا تجوس فيه حتى البهائم....

تحلق الخمسة في دائرة ولو أتيحت لك فرصة رؤية وجوههم لرأيت أعينهم تقدح شرراً وهم يزفرون غيظاً قبل أن يرتفع صوت من بينهم قائلاً :

: إنها ورطة كبرى لقد تجمد نشاطنا وسرنا كاد أن ينكشف

أجابه صوت ثاني :

: فعلاً إنها كذلك ..... حتى مقرنا لم يعد بمقدورنا استخدامه

رد الأول :

: تباً لذلك الشخص الذي فعل تلك الفعلة النكراء ...

قاطعه صوت ثالث :

: المهم أن نخفي آثارنا قبل أن نكتشف .... إنهم مشغولون بما حدث ....

تعالى الصوت الأول في غضب هادر :

: ومن الحمقى الذين قاموا بما حدث إن هذا سيجلب المزيد منهم إلينا ويجعلهم يشددون إجراءاتهم .... كيف سنعالج هذا الخطأ الفادح

رد صوت رابع بنبرة هامسة :

: أنت تعرف .... إنهم أولئك الأعضاء الجدد ....

رد الصوت الأول وقد زادت نبرة الغضب فيه :

: ومن أمرهم بهذا...؟ كيف لهم أن يتصرفوا من تلقاء أنفسهم دون أن يرجعوا إلى من هم مسئولون عنهم ......؟

ارتفع الصوت الثاني قائلاً:

: ما حصل قد حصل دعونا لا نضيع الوقت في الجدال فيه ولنشرع في وضع خطة لتلافي آثاره وللتغطية على حقيقة وجودنا حتى لا نعرف ولا يكتشف وجودنا .

غمغم الجميع موافقين صاحب الصوت وشرعوا في وضع خطتهم وقد كانت خطة رهيبة ....رهيبة بحق ...

*******

مع النسمات الأولى للصباح الذي يلي ليلة الأشباح المنسلة كانت القرية كعادتها هادئة وادعة هدوءاً لا يحكي سخونة الأحداث المتتالية فيها ..... كان الفكي سعد يجلس في مقهى القرية يحتسي شاي الصباح فيما شرد بصره وذهنه إلى البعيد ..... البعيد الذي يتجاوز حدود الزمان والمكان ولو أتيح لنا أن نغوص في أعماق ذهنه لرأينا فيه صورةً لرجلين شابين في أواخر العشرينيات أحدهما الفكي وهما يتحاوران حواراً متوتراً بدأه الفكي سعد بقوله :

: لقد سئمت أرجوك دعني أمضي لحال سبيلي وأعدك أن ما كان بيننا لن يطلع عليه أحد مهما كان

أجابه الشاب الآخر :

:عجباً أين ذهب طموحك وكيف اضمحل إن هذا الطريق الذي نسير فيه هو طريق النجاح والمجد .

رد سعد :

: وإن يكن ، لم أعد أحتمل ولا أظن أني سأقدر لذا أرجوك ... أتوسل إليك أعفني من ذلك وابحث عن غيري

جاوبه الرجل :

:إنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن أعثر على من هو في مثل مؤهلاتك وفي نفس تخصصك .....

أجاب سعد بصوت حمل كل توتره :

: وإن كنت أنا آخر من في الأرض ممن يحمل المؤهلات والتخصص لن أقوم بذلك ...لن أقوم به ....

اقترب الرجل من سعد حتى كاد وجهه يلامس وجه هذا الأخير وقال بصوت عميق يبث الذعر في أوصال أشجع الرجال :

: الخيار ليس لك ، حاول أن تهرب أو تتخلى عن مشروعنا وستندم ، سيكون الموت أشهى ما تتمناه ....ولن تكون وحدك من سيدفع الثمن ....

انتقل المشهد في ذهن سعد من هذا الحوار إلى ليلة حالكة السواد كان يسير في أثنائها متعمداً أن يخفي هويته حاملاً معه كل أوراقه وما يملكه من مال هارباً من المدينة التي كان يقيم فيها مع ذلك الرجل الذي سبق وهدده .... لقد هرب ودمر كل ما يربطه بالماضي .. أوراقه الثبوتية ....شهاداته .... واتخذ لنفسه هوية جديدة قطع بها كل صلاته مع الماضي ... كلها بلا استثناء ... ولكنه دفع ثمن هروبه .... دفعه غالياً ... وغاليا جداً ... مما خلق في نفسه غصة أبدية لا تزول ، غصة تعترض حلقه ويغص بها كلما تذكر ذلك الماضي ...

:أين سرحت يا شيخنا ؟

... خرجت تلك العبارة من بين شفتي عامل المقهى لتخرج الفكي من شروده وتعيده إلى أرض الواقع والذي كان هو الآخر بدأ يقلقه إذ كان يقول في نفسه :

: آخ من الماضي ... رغم أني هربت منه إلا أنه عاد ليلاحقني ...

وفعلاً إنه ماض رهيب ذاك الذي عاد ليطارد الفكي ....

*******

كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة من ذات الصباح الذي داهمت فيه ذكريات الماضي الفكي سعد عندما جلس النقيب أحمد برفقة الرقيب عوض مع رجال شرطة القرية المساعد هاشم ونائبه حامد إضافة إلى عمدة القرية والحاج حمد ومدير المدرسة ....

كانت سحابة من التوتر تظلل المكان في حين تبادل الرجال نظرات خاوية فيما لف صمت ثقيل المكان جعل اللحظات تمضي ببطء شديد بدت معه الثواني وكأنها ساعات قبل أن يرتفع صوت العمدة ممزقا صمت المكان بقوله :

: ألم تتوصلوا بعد إلى الجناة ....

هز النقيب رأسه نفياً وقال :

: لا للأسف لم نتوصل إليهم بعد .... ما الذي يجري في هذه القرية ؟ هناك شيء ضخم يحدث ولا نستطيع أن نعرف ما هو أو حتى نضع يدنا على أي دليل يدلنا عليه ... ألا يعرف أحدكم شيئاً عما يجري ....

أجاب العمدة :

: لو كان لدى أي منا معلومات تفيدكم لأبلغناكم بها ..... وبالمناسبة ما هي أخبار العقيد ؟

زفر النقيب نفساً حاراً قبل أن يقول :

: إنه لا يزال في مرحلة الخطر تحت الرعاية المشددة في مستشفى الشرطة بالعاصمة ...

هز العمدة رأسه وقال :

: هكذا إذاً..... أتمنى له الشفاء العاجل

أطرق النقيب برأسه وبدا وكأن الحوار قد انتهى بالنسبة إليه إلا أنه رفع رأسه وصوب بصره الذي شع ببريق عجيب إلى العمدة وقال :

: بالمناسبة ألا تعرفون حقاً ماذا كان يفعل شباب القرية عند صابر ؟

هز العمدة رأسه نفياً وأردف قائلاً :

: إطلاقاً .... لا علم لنا بذلك حتى أننا حاولنا أن نستنطق صابراً عما يجري إلا أنه رفض إخبارنا

ابتسم النقيب ابتسامة ماكرة وقال :

عجيب ... ألا تعرفون حقاً؟ ...رغم أن أبناؤكم كانوا من أكثر المترددين إليه ....

انتفض العمدة كمن أصابته صاعقة وقال بصوت متهدج :

: أبناؤنا يترددون عليه ... كيف ؟ إطلاقاٌ ... إنهم أبعد ما يكون عن الشبهات وعن هكذا رجال مشبوهين ....

ازدادت ابتسامة النقيب الماكرة اتساعاً وهو يقول :

: هكذا إذاً ..... عموماً لا بأس يا عمدة سيكون لنا المزيد من النقاش فيما يخص هذا الأمر ... والآن ائذنوا لنا أيها السادة فورائنا أعمال بالغة الأهمية لا بد لنا من القيام بها ...

وقف العمدة وصافح النقيب الذي يهم بالمغادرة وقال :

: وأي أعمال هي تلك التي ستقومون بها ؟

ابتسم النقيب ابتسامة لم يستطع العمدة أن يفسرها وقال :

: إنها أعمال تخص الشرطة يا عمدة .... الشرطة وحدها

انفض الاجتماع إثر هذا الحوار وفيما عاد الرجال إلى منازلهم استقل النقيب سيارة شرطة نقطة القرية مع رجال البحث الجنائي القادمين من المركز متوجهين إلى منزل صابر لإعادة تفتيشه إذ أن كل معطيات التحقيق تشير إلى ذلك البيت ....

*******

لم يمضي كثير وقت حتى كان رجال الشرطة يقفون أمام بوابة منزل صابر لإعادة تفتيشه ...

: انتظروا لحظة

خرجت هذه العبارة من بين شفتي الرقيب عوض فاستوقفت الرجال وهم يهمون بالدخول والتفتوا إليه متسائلين عن سبب إيقافه إياهم فبادر بإجابة تلك التساؤلات بينما كان يتقدم نحو بوابة المنزل قائلاً :

: إني أشك في وجود شيء مريب في هذا المصباح القابع جوار البوابة فهلا فحصه أحدكم ...

ما إن أنهى كلماته السابقة حتى تقدم أحد الرجال إلى المصباح وأزال غطائه الخارجي وما كاد يفعل ذلك حتى صاح في دهشة :

: ما هذا الشيء هنا .....

اقترب الرقيب وألقى نظرة على الذي فاجأ الرجل وارتسمت ابتسامة ظافرة على محياه وقال :

: الأمر هكذا .... إنها كاميرا مراقبة

وصل قائد مركز القرية المساعد هاشم وألقى نظرة هو الآخر على الكاميرا وقال :

: كاميرا مراقبة ! عجباً لها وكيف تعمل إني لا أرى أي توصيلات تخرج منها

أجابه النقيب هذه المرة :

: إنها كاميرا لا سلكية ... ولكن إلى أين تبث ؟ إننا لم نجد ما يشبه مركز مراقبة عندما فتشنا المنزل المرة السابقة

عقد الرقيب عوض حاجبيه وقال مجاوباً النقيب :

: أجل يا سيدي ولهذا نحن هنا ....إن في هذا البيت شيء مريب ولا بد لنا أن نكشفه

أنهى عبارته تلك واندفع إلى داخل المنزل وتبعه بقية الرجال الذين انقسموا إلى مجموعات لتفتيش كل أنحاء المنزل تفتيشاً دقيقاً .... وفتش الرجال وفتشوا ومضت الساعات ساعة تلو ساعة ولم يظهر شيء يمكن أن يلفت الانتباه مما حدا بالرجال للاجتماع في صالة البيت الرئيسية التي تتوسط غرفه والحيرة تعلو وجوههم ..... هناك شيء في هذا المنزل ولكنهم لم يكتشفوه ، كان لهذا الوضع وطء شديد على نفوسهم فأطبق صمت مخيف على المكان قبل أن يمزقه النقيب بقوله :

: إنه أمر بالغ الغرابة لم نجد شيئاً .... حتى غرفة التحكم التي يفترض أن تتلقى البث من كاميرات المراقبة التي اكتشفناها في المبنى لم نجدها وهي ينبغي أن تكون هنا فالكاميرات كانت تعمل وهي ذات نطاق بث محدود لا يمكن أن يتعدى هذا البيت ...ثم لا يوجد ما يجاور البيت أصلاً ليكون مقراً لتلقي البث .

غمغم المساعد قائلاً:

: إذاً نحن نحتاج أجهزة تعقب البث

قطب الرقيب عوض حاجبيه وهو يقول :

: ربما لا .... ما نحتاج إليه هو أن نفكر بطريقة غير تقليدية ....

مط المساعد شفتيه وقال :

: أتعني أن نبحث عن ممرات أو أقبية سرية أو ما شابه ..... لقد أخذنا هذا في الحسبان فتلمسنا الجدران شبراً شبراً لعل حجراً منها ينزاح كاشفاً عن بوابة سرية فلم نجد وتلمسنا بلاطات الأرضية بلاطة بلاطة لعل إحداها تقود إلى قبو سري فلم يحدث شيء ، فتشنا وراء لوحات الجدران وأزحنا أثاث المنزل من مكانه عسانا نجد خزانة سرية أو أي شيء يفيدنا في القضية فلم نجد ....

علت ابتسامة واثقة محيا الرقيب عوض عندما قال معقبا على ما أفاد به المساعد :

: إن هذه الأفكار واضحة ومجربة من قبل عنيت شيئاً أكثر جدة وغير تقليدي بالمرة

تساءل المساعد في شك :

: مثل ماذا ...؟

خطا الرقيب متئدا نحو إحدى الستائر التي تغطي جدران المكان وقال :

: ألا تلاحظون معي أن هذه الستائر وعلى الرغم من أنها ذات لون واحد تتخلله خطوط من درجة مختلفة من نفس اللون إلا أن هذه الخطوط غير متناسقة بعضها في أعلى الستائر والآخر أسفلها وبعض منها في الجانب الأيمن والبعض في الأيسر وهناك خطوط مائلة وأخرى متعرجة ....لم لا تكون هذه الخطوط متناسقة كوضع بقية البيت ...؟

هز المساعد كتفيه وقال :

: إنه نوع من السريالية

واصل الرقيب كلامه دون أن يلتفت لعبارة المساعد :

: ماذا لو حركنا الستائر لنحصل على شكل أو شيء مفهوم من هذه الخطوط ...

هم المساعد بالاعتراض إلا أن النقيب قاطعه وهو يندفع إلى إحدى الستائر قائلاً :

: لن نخسر شيئاً إن جربنا فكل ما يحيط بهذه القضية يبدو غريباً ...

قال هذا وقرن القول بالفعل وهو يحرك الستائر محاولاً أن يكوٍّن من خطوطها شيئاً ذا معنى فيما أخذ الرقيب يحرك من جهته الستائر ليساعد النقيب ..... كانت الستائر تتحرك في جميع الاتجاهات .... يميناً ويساراً ...إلى الأعلى وإلى الأسفل .... في بداية الأمر بدا أنه ليس هناك شيء جديد ومضت اللحظات الأولى ببطء شديد ثقيل الوطء على نفوس رجال الشرطة المتواجدين إلا أنه رويداً رويداً ومع مضي الدقائق بدأ شيء ما بالتشكل ...التقى خطان هنا وتكامل آخران هناك وكون ثلاثة في جهة أخرى شكلاً .....

مضت ساعتان لم يحس بها النقيب والرقيب عكس بقية الرجال الذين كان مضي الوقت بالنسبة إليهم بطيئاً ووقعه عليهم ثقيلاً فقد كانا منهمكين تماماً في تشكيل الخطوط والتي وأخيراً اتخذت شكلاً واضحاً .... شكل نسر ضخم ينقض على الكرة الأرضية ...... ولم يحدث شيء فغمغم المساعد :

: وما ذا بعد ... لا جديد حدث ...

ابتسم النقيب وقال :

: إنها ستارة لجدار واحد في هذه الصالة لا زال أمامنا بقية جدران الصالة وبقية الغرف ....

عاد المساعد للتساؤل وهو يقول :

: وكم سيستغرق كل هذا إن كان تشكيل رسم لجدار واحد استغرق ساعتين كاملتين ؟

أجابه الرقيب هذه المرة وقال :

: لن يستغرق طويلا فلقد عرفنا الشكل الذي علينا تكوينه ...بالمناسبة إلى ماذا يرمز هذا الشكل؟

أجاب النقيب :

: إنه يمكن أن يعني الشيء الكثير ولكن دعنا الآن مما يمكن أن يعنيه ولنكمل تكوين الأشكال في بقية الستائر ...

أنهى جملته تلك ومضى لتنفيذ محتواها في نفس الوقت الذي اندفع فيه بقية رجال الشرطة لمساعدته في ذلك ، وكما قال الرقيب لم تمضي سوى ربع ساعة حتى كانت الأشكال قد كونت في جميع غرف المبنى الرئيسي بيد أنه لم يحدث شيء كذلك مما دفع المساعد للقول في يأس بالغ :

: حتى بعد كل هذا لا شيء حدث ...

أجابه الرقيب بلهجة واثقة :

: لا تيأس فلا زال أمامنا المبنى الملحق فهو الآخر يحوي ستائر ...

انقضت عشر دقائق أخرى قبل أن يقوم الرجال بإعادة ترتيب وضع الستائر في المبنى الملحق لتبرز نفس الشكل الذي سبق ووجدوه في المبنى الرئيسي غير أنه ومرة أخرى لم يحدث شيء فرفع المساعد ساعديه وهم بقول شيء ما إلا أن النقيب أشار إليه مقاطعاً بقوله :

: فلنعد للمبنى الرئيسي لعل شيء ما حدث هناك ...

اندفع الرجال عقب جملته هذه وكأن هناك ما يجذبهم إلى المبنى الرئيسي الذي ما إن دخلوه حتى أخذت أبصارهم تجوب في الصالة الرئيسية له عساها تجد شيئاً ... وفعلاً هذه المرة وجدوه .... فعند الجدار المقابل للمدخل الرئيسي انزاحت بلاطة من الأرضية كاشفة عن ممر إلى الأسفل أشار إليه الرقيب وقال :

: ها هو ذا ما كنا نبحث عنه

تحرك الرجال في بطء وحذر ونزلوا الدرج السري إلى أسفل واحداً وراء الآخر وقد أضاءوا مصابيحهم اليدوية وما إن استقرت أقدامهم على أرضية القبو الذي يؤدي إليه الدرج حتى صاح النقيب :

: فليبحث أحدكم عن مفتاح الإنارة في هذا المكان ...

مرت بضع لحظات قبل أن يغمر الضوء المكان كاشفاً عن صالة ضخمة مساحتها ضعف مساحة المبنى في الأعلى ، ارتصت فيها طاولات تشبه طاولات المعامل بما تحويه من أنابيب اختبار ومعدات غريبة إضافة إلى أرفف متراصفة على طول جدران القبو ...

: ما هذا ؟ ...

انطلقت تلك العبارة المتسائلة من فم المساعد وقبل أن يواصل تساؤلاته المندهشة قاطعه النقيب بقوله :

: إنه معمل تصنيع مخدرات .... هذا المشهد يكمل مشهد حديقة الكوكا في الأعلى

ألقى عبارته هذه وأخذت عيناه تمسحان المكان فإضافة إلى معمل المخدرات كان يوجد شاشة عرض سينمائية في الصالة يرتص أمامها عدد من المقاعد يبلغ الخمسين وزاوية تشكل ما يشبه المكتبة بأرفف للكتب وطاولات للمطالعة إلا أن الوضع العام للصالة كان يشي بأن هناك من حاول نقل شيء من المكان أو إخفائه .. الكتب متناثرة وأدوات المعمل غير مرتبة ..هناك كمية قليلة مما بدا كمواد مخدرة إلا أن حجم المعمل يشي بأن في إمكانه أن ينتج أكبر من ذلك بكثير ويبدو أن هناك من نقل هذا الإنتاج ولم يحاول حتى أن يخفي آثار ما قام به ...

: هناك من سبقنا إلى هنا

انطلقت هذه العبارة من بين شفتي الرقيب عوض لتخرج النقيب من استغراقه في التفكير وتجعله يقول مجاوباً الرقيب :

: نعم هناك من نقل شيئاً ما من هنا أو حاول إخفاء شيء ما .... ويبدو أنه لم يكن يملك الوقت الكافي لهذا فخلف كل هذه الفوضى لقد حدث هذا في هذين اليومين الذين تليا محاولة اغتيال العقيد .

وافقه الرقيب بايمائة من رأسه في حين واصل النقيب حديثه بقوله :

: لكن الغريب هو كيف قاموا بنقل ما نقلوه فلا أثر لهكذا عملية في الأعلى ولا أرى ممراً سرياً من هنا

أجابه الرقيب :

: لا بد من وجود ذلك الممر كل ما نحتاجه هو البحث عنه ....

انهمك الرقيب برفقة بقية الرجال في البحث عن ذاك الممر المحتمل ولم يلبثوا إلا رويداً حتى أزاح الرجال إحدى أرفف الكتب عن موضعها فظهر خلفها باب بعرض مترين فتحه الرقيب وهو يقول :

: هاهو ذا الممر السري ....

اندفع النقيب إلى حيث موقع الباب إلا أنه سرعان ما تسمر مكانه واكتسى وجهه مزيجاً من الذهول والغضب وقال :

: تقصد ما كان ممراً ...

فأمام ناظريه كان الممر يمتد لبضع أمتار قبل أن تسده أطنان من الركام ....

غمغم الرقيب معلقاً على الوضع :

: من الواضح أنهم قاموا بتدمير الممر

هتف النقيب :

: وكيف دمروه دون أن يؤثر ذلك في المنزل بالأعلى أو حتى الفناء المحيط به

أجابه الرقيب :

: إنهم ليسوا أناساً عاديين إنهم يملكون إمكانات فائقة

وافقه النقيب الرأي بقوله :

: أجل إنهم كذلك .... إننا نحتاج إلى فريق خاص لرفع وإزالة هذه الأنقاض وقد يستغرقنا هذا أياماً عدة وواضح أنهم يتوقعون خطواتنا ويسبقوننا بخطوة لسنا في وضع يسمح لنا بإضاعة الوقت ...

أجابه الرقيب بلهجة متأسفة :

: إن الأمر ليس بأيدينا كل ما نستطيع فعله بذل أقصى جهدنا لنعوض هذا الفارق الزمني .... وعلى صعيد آخر يبدو أننا أغفلنا جزئية بالغة الأهمية

علت نظرة متسائلة محيى النقيب وقال :

: جزئية مهمة ؟ ما هي ؟

استطرد الرقيب قائلاً :

: إننا لم نجد غرفة التحكم التي تتلقى إشارة كاميرات المراقبة

التمعت عينا النقيب وقد انتبه إلى هذه النقطة وقال :

: نعم فعلاً لقد فتشنا هذا المكان شبراً شبراً ولا أثر لمثل هذه الغرفة

سحب الرقيب نفساً عميقاً وقال بصوت عميق :

: ماذا لو لم يكن هذا المكان القبو الوحيد في هذا المنزل ؟

سأل النقيب :

: كيف وأين سنجد غيره

فأجابه الرقيب :

: ماذا لو حاولنا أن نشكل شكلاً آخر من تلك الستائر ألا يمكن أن نكتشف حينها مدخلاً لقبو آخر ؟

وافقه النقيب بإيمائة منه وقال :

: إنه رأي له وجاهته ..... غير أن الوقت تأخر إنها العاشرة مساء ونحن هنا منذ الحادية عشر صباحاً لنؤجل البحث عن ذاك المدخل إلى الغد ....

وأردف بأن رفع يده وصاح في رجاله آمراً إياهم بالمغادرة والاستعداد ليوم الغد .

*******

أشارت عقارب الساعة إلى السابعة صباحاً عندما دخل الرقيب إلى غرفة النقيب أحمد الذي كان يراجع أوراق التحقيق وأدى التحية العسكرية وقال :

: هناك زائر قادم من العاصمة يا سيدي

تساءل النقيب :

: ومن يكون هذا الزائر

أجاب الرقيب :

: إنه الخبير الذي استدعاه سعادة العقيد من العاصمة

رفع النقيب عينيه إلى الرقيب وهتف به :

: أدخله فوراً

غاب الرقيب لهنيهة ليظهر بعدها وبرفقته رجل متوسط القامة في النصف الثاني من أربعينيات عمره لطيف الملامح إصلع مقدم رأسه ووخط الشيب ما تبقى من شعره تعلو عينيه نظارات طبية سميكة .... تقدم الرجل ومد يده مصافحا النقيب الذي هب من مكانه لتحيته وقال مقدماً نفسه :

: أنا الدكتور عثمان فتح العليم أستاذ الفيزياء النووية في جامعة الغد بالعاصمة ....

ابتسم النقيب مرحباً بالدكتور وقال :

: إنه لشرف لنا اللقاء بك

اتخذ الدكتور مقعده وقال مواصلاً حديثه :

: أين سعادة العقيد عبد العظيم لقد كان من المفترض أن يكون في انتظاري اليوم

أطرق النقيب واكتسى وجهه علامات الأسف وقال بعد أن أطلق تنهيدة حرى حملت معها مشاعره :

: لقد تعرض سعادة العقيد إلى اعتداء أثيم منذ ثلاثة أيام وهو يرقد الآن في غرفة العناية المركزة في مستشفى الشرطة

اتسعت عينا العالم في صدمة واستغراب وقال :

: ومن فعل ذلك ولأي سبب ؟

تراجع النقيب في مقعده وقال مجيباً سؤال العالم :

: نحن نعتقد أن لذلك علاقة بالقضية التي نحن بصدد التحقيق فيها والتي استدعاك العقيد لتكشف غموض جانب مهم منها

اعترت حماسة بالغة الدكتور عثمان وقال :

: إن سعادة العقيد من أعز أصدقائي وسأقدم كل مساعدة ممكنة للإيقاع بأولئك الجناة

تجاوباً مع هذه الحماسة مد إليه النقيب الكتاب الذي عثر عليه العقيد في مكتبة صابر وقال :

: نريد رأيك العلمي في محتوى هذا الكتاب والملاحظات المكتوبة باليد على حواشيه لقد بحثنا عن مثيل له في مكتبات البلاد بل وكل مكان يمكن أن تعرض فيه مثل هذه النوعية من الكتب فلم نعثر على مثيل له

أثارت عبارة النقيب الأخيرة فضول وانتباه العالم فتلقف الكتاب من النقيب وأخذ يطالعه ومع كل صفحة يقلبها كانت الدهشة تعلو وجهه أكثر وأكثر ....مضت عليه ساعة من الصمت المهيب لم يقاطعه فيها أحد وهو يقلب صفحات الكتاب قبل أن يهتف في ذعر حقيقي شد إليه كل حواس النقيب :

: هذا مخيف وخطر جداً من هو الرجل صاحب هذا الكتاب إنه رجل غير عادي على الإطلاق...

لو سئل النقيب لماذا أقدم على ما فعله بعدما سمع عبارة العالم السابقة لربما لم يجد هو نفسه إجابة على ذلك ...لعلها حاسته الشرطية أو دافع خفي مجهول أو هي يد العدالة التي لا بد أن تطال المجرمين وتكشف الحقيقة ...أو لعله مزيج من كل ذلك ....

لا أحد يدري لم .... لم أخرج النقيب صورة صابر وقدمها إلى الدكتور عثمان وقال :

: ها هو ذا الرجل صاحب الكتاب والقتيل في قضيتنا التي نحقق فيها

ازداد الدكتور عثمان ارتياعاً على ارتياع واتسعت عيناه كمن رأى الموت وهتف بصوت مبحوح خنقته الدهشة والارتياع :

: يا للهول ... إنه ... إنه هو ... هو ذاك الرجل ولكن ..لكن .....كيف ...؟

هب النقيب مصدوماً من كلام العالم لقد عُرفت هوية صابر .... ولكن من يكون صابر حقاً ولماذا خاف العالم كل هذا الخوف عندما رأى صورته ...من ....ولماذا .....؟

*******
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع رواية الوجه الآخر للحقيقة .... الفصل السادس ....الماضي والحاضر ....:
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية الوجه الآخر للحقيقة .... الفصل الخامس : ....اغتيال القمر الذهبي قسم القصص والروايات 1 03-20-2014 11:57 PM
رواية الوجه الآخر للحقيقة .... الفصل الرابع : ويستمر الغموض القمر الذهبي قسم القصص والروايات 2 02-11-2014 10:58 PM
رواية الوجه الآخر للحقيقة الفصل الثالث : من هذا الرجل القمر الذهبي قسم القصص والروايات 0 03-15-2013 07:11 PM
رواية الوجه الآخر للحقيقة : الفصل الثاني القمر الذهبي قسم القصص والروايات 1 03-04-2013 08:28 AM
رواية : الوجه الآخر للحقيقة القمر الذهبي قسم القصص والروايات 4 02-20-2013 07:30 AM

الساعة الآن 07:49 AM.


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

كُل ما يُكتب أو يُنشر في منتديات العاشق يُمثل وجهة نظر الكاتب والناشر فحسب، ولا يمثل وجهه نظر الإدارة

rel="nofollow" maxseven simplicity and clarity