قصة حياة احمد زويل...

اهلا اهلا اهلا انا انهارة جايبة رحلة واحدة من قصة حياة احمد زويل يلا نشوف

****** بين الشمس وجامع الدسوقى******


لم تكن له يد فى هذة الرحلة ففى يوم من ايام الشتاء 1946 , قررت السيدة ((روحية)) وهى فى الشهر الاخير من حملها ان تسافر من مدينة الدسوق, حيث تعيش مع زوجها ((حسن الى مدينة دمنهور القريبة لزيارة والدتها. واثناء الزيارة جاءت ولادة طفلها ((احمد)) الذى سمى على اسم جده ,الا ان والدتةظلت تنادية بأسم ((شوقى)) تديلا له,فقد رزقها الله به بعد خمس سنوات من الشوق الى الاطفال .

امضى الرضيع اول اربعين يوما من حياتة فى بلد عائلته ((مدينة دمنهور العريقة)) ,والتى يعنى اسمها باللغة المصرية القديمة ((مدينة اله شمس)) (تم_ن_حور). أما سنوات الطفوله والصبا ,فأمضاها احمد حسن زويل عل ضفاف فرع رشيد من دلتا نهر النيل فى ((دسوق)) الهادئة,تلك المدينة التى لم تبخل عليها الشمس بوفرة من الدفء والاشراق انعكست فى نفوس اهلها الطيبين.

واستمد الصغير طاقة معنوية هائلة من المحبة التى احاطت به فى سنوات تكوينة,مما كان له اثر بالغ فى تهئية نفسة وتقويتها للرحلات الكبرى التى ستأخذة فيما بعد الى اماكن بعيدة وصعبة وباردة.


تمتع احمد بطفولة امنة وسعيدة وسط اسرتة الصغيرة وعائلتة الكبيرة .

تكونت اسرتة الصغيرة من والديه وثالث اخوات بنات جئن بعدة.عمل والدة ((عم حسن )) فى وظيفة حكومية بجانب تجارة صغيرة كان يمتلكها,وكان رجلا مخلصا لأسرته ومحبا للحياة وللمرح ومبوبا من الجميع. وتميزت والدة احمد بالورع والتدين والجدية ,ووهبت حياتها لرعايه اولادها وتشجيعهم على التفوق فى الدراسة,رغم انها نفسها لم تلحق بمدرسة.

اما العائلة الكبيرة التى نشأ احمد فى احضانها فشملت كل اهل دسوق,الذين كانت تربطهم مشاعر الجيرة الأخوة والثقة المتبادلة.وكان منزله قريبا من الجامع القريب ((سيدى ابراهيم الدسوقى )) بساحتة الواسعة,واى يقع فى قلب البلد,ويعتبر قوة جاذبة تدور من حولها حياة الأهالى كالشمس فى السماء.

كان كل اصحاب المتاجر والدكاكين المحيطو بالجامع يعرفون احمد_الشهير بشوقى_ ويعرفون والده لذلك كان يمكنة مثلا ان يشترى ما يريد من احدهم دون ان يدفع ثمنة فى الحال. وكان احمد يخص ((عم حمودة)) البقال ووالد صديقة ((محمد)) باحترام كبير,وكان يحب ان يجلس معه على دكتة الخشبية امام الدكان يستمع الى احاديثة ونصائحة ,فقد كان رجلا حكيما يحب احمد ويعاملة كأحد اولادة.

وكانت وسائل اللعب بسيطة ولكن مسلية ومبهجة.كان احمد يلعب ((الكرة الشراب)) مع اصحابة فة الهواء الطلق.وفى الداخل كان يتسلى بلعب الطاولة ولعب الكوتشينة مع افراد اسرتة.واحيانا كانوا يضمون بعض الايام من فصل الصيف فى ضيافة اقرابهم بالاسكندرية_بلد والده_فيستمع احمد بشاطئ البحر والجو العائلى المـــــــرح,وكذلك السمك المشوى اللذيذ.


وفى المـــــدرسة,اقبل احمد على الدراســـــــــه وكان مثبرا.يبذل كل جهدة لتحقيق اكبر قدر ممكن من النجاح والتفوق.وكانيحلم وهو لا يزال تلميذا صغيرا فى المرحلة الابتدائية برحلة التحاقة بالجامعة.


فقد دخل احمد المدرسة الابتدائية سنة 1952 فى نفس عام قيام ثورة يوليو,التى جعلت كثيرا من المصريين يشعرون بأنهم مقدمون على عصر جديد من المساواة بين جميع المواطنين فى فرص التعليم الجامعى والترقى.قبل ذلك كان الحصول لا
على التعليم الجامى امرا صعبا بالنسبة لكثير من ابناء الأسر الفقيرة او حتى المتوسطة تفتقر الى النفوذ.

ووصل الحماس الوطنى عند التلميذ الصغير ان ارسل خطابا الى الرئيس الجمهورية عام 1952,وهو فى العاشرة من عمرة,كتب فيه(ربنا يوفقك ويوفق مصر)). وكان سرورة عارما حين تلقى ردا من مكتب الرئيس جمال عبد الناصر يوصيه فيه ((بالمثابرة فى تحصيل العلم والتسلح بالأخلاق الكريمة)). فرح احمد بتلك المفاجأة,وامتلأت نفسه املا ببلوغ شواطئ فى العلم لم يكن متاحا لوالده فرصة الوصول اليه

ولم يكن هذا الحدث هو مصدر التشجيع العلمى الوحيد فى طفولة احمد زويل فقد تربى فى بيئة تقدر قيمة العلم,وكم من مرة استمع فى المسجد الى ان اول ابة قرانية نزلت على رسول الله محمد(ص) اشتملت على الأمر الالهى((اقرأ)). وكان يرى الطلبة يستذكرون دروسهم فى اركان المسجد الكبير,حتى كبر قليلا واصبح يشاركهم.وقد بارك والداه شغفة بالتعليم واجتهاده قى المدرسة,بل وكان يحظى بعبارات التشجيع والاستحسان من اهالى البلد حين يعرفون عنة التفوق.فقد كان التقدم فى الدراسة يجلب لصاحبه الاحترام والمكانة العاليه بين الناس.

ان القدرة على الأحلام تقتضى من الانسان الشجاعة والخيال,وتحقيقها تقتضى منه المثابرة والاجتهاد.وقد طور احمد من حلمة فى المرحلة الاعدادية حتى صار هدفا واضحا فى خياله كأنة يراه,لدرجة انة خطة بيدة على ورقة لصقت على باب غرفتة الصغيرة(الدكتور احمد)).

وخلف هذا الباب قضى احمد سعات وساعات من المذاكرة والعمل كل ليله ولم ىيدخر وقتا او جهدا للتقدم فى الدراسة,حتى انة كان يستغل فترة اجازة الصيف قى قراءة مقررات العام المقبل.ولم يكن دافعة الى المذاكرة هو الشعور بالواجب فقط,بل كان يقبل على عملة بحماس لأنة يقربة من حلمة الكبير ورحلتة المقبلة.

واعتاد احمد,منذ ذلك الوقت, ان يضيف الى الساعات عمله الطويلة نكهة ((ام كلثوم)) . فكان مثله مثل اى شاب صغير يحب الموسيقى وينجاز لمطربة المفضل.وكان يحلولة ان يدير الجهاز الراديو على ضبطة صوت منخفضة لكى تصنع له النغمات خلفية ناعمة لمقررات الهندسة والعلوم واللغة العربية.

وفى شهر رمضان كان يبدل من عاداته,فيلتقى مع اصحابة بعد الافطار عند مسجد((سيدى ابراهيم الدسوقى)), وبعد قضاء الصالة يتجهون الى المنزلاحدهم للمذاكرة الى حين صلاة الفجر,التى كانوا يؤدونها معا فى الجامع ايضا, ثم يذهب كل منهم الى بيتة.

ولم يمنعة تركيزة فى التفوق الدراسى من الاشتراك فى مختلف الأنشطة المدرسية.ففى مدرستة الحكومية المجانية تعلم لعبة كرة السلة, واشترك فى جماعة الرسم,كما قام بالتمثيل فى مسرحية مدرسية.

وكانت لة متعه خاصة يهفو لها قلبة وقت الفسحة من كل يوم, فيركض الى بوابة المدرسة ويجول بنظرة حتى يرى طرفها...

عربة ((عم ابراهيم)) بائع الطعمية,التى ما ان يراها احمد فى مكانها المعتاد حتى يقف, ويظل ساكنا يراقب العجينة الخضراء وهى تتكور فى يد ((عم ارباهيم)) الذى يقذف الواحدة بعد الأخرى بخفة واحتراف ثم يقدمها لزبونه المخلص ساخنة فى رغيف خبز,فيتناولها منه احمد شاكرا وتختفى فى فمة قبل ان يعود الى فناء المدرسة.

وبعد ان انتقل احمد الى المدرسة الثانوية,كان يبدأ يومه كل صباح بالمشى حوالى ساعة الى المدرسة التى تبعد عن منزلة بمسافة كيلو مترين.وكان يلتقى بمجموعة من رفاقة الذين يسكنون بالقرب منه فى نقطة محددة لكى يسيروا معا.

وظهرت ميول احمد زويل نحو المواد العلمية فى مرحلة الدراسة الثانوية, حيث كان مولعا بحل المسائل التحليلية فى الرياضيات والفيزياء والميكانيكا, بل كان يشعر بلذة النصر فى كل مرة يحل فيها مسأله صعبة, مثل الاعب حين يحرز هدفا او يسجل رقما قياسيا جديدا

يتبع

وكان بينه وبين صديقين ((حمدى,محمد))منافسة حامية تخلو من الغيرة. كما كان يستمتع باعادة شرح المسائل لزملائة فى الفصل وتفسير خطواتها.

واكثر ما مان يثير فضول احمد هو كيف تعمل الأشياء. لم يكن يجب الحفظ,لكنه منذ ذلك الوقت وذهنه متوهجب بالأسئلة(لماذا؟))و((كيف)). وفى احدى المرات لم يكتف بالقراءة النظرية,وقرر القيام بتجربة عملية فى غرفتة ليختبر بنفسة كيف تتحول قطعة خشب صغيرة بالحرق من مادة صلبة الى مادة غازية.صحيح انه نجح فى رؤية عملية التحول, ولكن تجربتة العلمية الأولى كادت تتحول الى حادث حريق مأسوى لولا ستر الله.

وفى المدرسة الثانوية اختار الشاب ((احمد)) ان يتعلم خوايه التصوير الفوتوغرافى من بين الأنشطة التى تقدمها المدرسة. والفوتوغرافيا فن وعلم فى الوقت نفسة, لأنها فن تسجيل الصورة حسب وجهة النظر او الذوق الفنى للمصور, كما انها علم التقاط الضوء على قطعة فيلم,او ((الكتابة بالضوء))

واحيانا كان يوم الجمعة يتحول الى مناسبة خاصة, وذلك حين تتجمع اسرة احمد وسائر المشجعين من الأصحاب والجيران حول جهاز التليفيزيون الصغير (وكان لا يزال اختراعا جديدا حديث الوجود فى مصر) لمشاهدة مبارة كرة القدم بين فريقى الزمالك والأهلى .فهى من تقاليد المصريين التى لم تغير منذ نصف القرن!

وفى تلك الفترة ايضا نمت علاقة احمد بخالة ((رزق دار)) اى كان رجلا عصاميا اعتمد عل نفسة وبدأ تجارتة من الصفر وحقق نجاحا وثروة. كان احمد يحب هدوء خالة وتفتحة وثقاقتة الواسعة, فكانا يتناقشان سويا فى المقلات المنشورة فى الجريدة اليومية, ويستمعان الى غناء ((ام كلثوم)) ويلعبان الطاولة. وكان الخال معجبا بذكاء احمد وطموحة,فاتخذة كأخ اصغر,وفتح له حسابا فى المقهى المفضل عندة لكى يذهب احمد بمفردة ويتعلم الخبرات الاجتماعية فى التعامل مع الناس من كل الوائف ومن الأجيال الامختلفة.

وجاء عام الثانوية العامة, وشعرا احمد بضغط المنافسة ; فهو تسابق مع كل طلاب الجمهورية على مجموع الدرجات المؤهل حول الجامعة وافضل كلياتها. ولكنة اقبل على الأمتحانات وهو هادئ, وجاءت النتيجة مبشرة, فقد حصل على درجات مرتفعة جدا فى مواد الكيمياء والفيزياء والرياضيات, بينما حصل على درجات النجاح العادية فى اللغة العربية والتاريخ. لكنة بمجموعه الكلى ضمن دخول الجامعة, وهذا هو المهم!

وفجأة ظهرت عقبة فى طريق حلم الجامعة;فقد اجتمعت الأسرة بعد ظهور النتيجة وكان رأى عم حسن ان الجامعة بعيدة . سواء كانت جامعة القاهرة او الاسكندرية, وان التحاق احمد بأى منهما سيقتضى تركه للمنزل والبحث عن سكن وما يتطلبة كل ذلك من عناء ومشقة. واقترح على ابنة ان يختار الطريق العملى السهل ويلتحق بالمعهد الزراعى بكفر الشيخ القريب من دسوق, والذى سيؤهله ليصبح مهندسا زراعيا حين يتخرج.

وهنا تدخلت السيدة روحية لمساندة ابنها الوحيد فى تحقيق امنيتة وامنيتها,وانضم اليهما الخال رزق مؤيدا طريق الحلم والطموح.وبمساعدتها لم يبق امام احمد سوى قرار مكتب التنسيق الذى تقدم له برغباتة بالترتيب: كلية الهندسة اولا,والطب ثانيا,ثم الصيدلة,فالعلوم.

وبعد اسابيع قليلة جاءهم ساعى البريد حاملا خطاب قبول احمد زويل طالبا فى كلية العلوم بجامعة الاسكندرية.

لم يفكر احمد فى عدم حصوله على كلية الهندسة او كلية الطب,فأن دنيا العلوم واسعة, بل قفز احمد من السعادة,وطاف البيت مهللا..ها هو حلم الطفولة يتحقق! وها هى الرحلة الكبيرة الى الجامعة على وشك البداية.

الى القاء مع الرحلة الثانية ..

شكرا