مذكرات ذاكرة....

كتب في مذكرة..
14/7/1990...
جمعت ما تبقى من سنواتي المبعثرة اليوم لربما يجدر بي ان اقولها هكذا لأنني من بعد هذه الساعات لن أواصل الجري وراء حلمي الواقعي... أمي لطالما كنت في صغري أتهرب من شراء حاجيات عالمك المطبخي ولكني أدركت يقينا بأنه كان هناك شيئ وراء شراء الحاجيات شيئ يصوره لي قدري ذاك الذي لم أؤمن به يوما إلى تلك اللحظة... نعم قصة أخرى من قصص الحب الرومانسية ولكن في داخلي لم تكن مجرد رواية تكتب ليقرأها فيما بعد دار النشر وتدون بغلاف لائق وتنصب مرمية على رف وراء زجاج المكتبة وتمسي فيما بعد رخيصة في شوارع الروايات الأخرى وتعاشر غبارها المثقل فوقها...أنها قصتي أنا وهي,ظننتني نسيتها ولكن كنت أدرك أنها أعقد من أن تنسى لم تكفيني خمس أعوام في غربة وهواء آخر مزيف داخل صدري لم يكفيني نجاحاتي في عالم المادة وشهرتي المستقبلية ولم يكفيني أحلام الخرافة الوهمية التي طالما رسمها عقلي الباطني في وجعلها أفكاري وسميتها بسايكولوجيتي لكي أفقدها قطع مبعثرة أخرى كما بعثرت قطع واقعي ولكنني حقا أدركت أنها أعقد من أن تنسى.
قلت متعجبا:أراكي هنا!!
قالت بلهجتها المعتادة الهادئة:وأنت..أراك هنا,ألم تكن..
قاطعتها: كنت ابني كلامنا عن المستقبل وعدت لا أعرف لماذا قبل أن تسألي, ولكن عدت ربما لكي أتابع كلام المستقبل.
ـ لم تعد جملك تؤثر في نفسيتي فلا تجعلها مبهمة أكثر فأنني يئست من حل الألغاز., أتمنى التوفيق لمستقبلك الآتي.
راجعت كلامها ودققته لأدرك ان نصها المسرحي مثل على أصبعها ماقبل الأخير في يدها اليمنى..
ـ أشكركي وأتمنى لكي التوفيق في حياتك..وداعا
ـ وداعا.
لم تكن كلمة وداعا سهلة الخروج من أبجديتي ولكنها خرجت لتزيف ذاك الحمل الغريب الذي هبط فوق قلبي..ذاك الحزن أو ذاك الندم أو ذاك اليأس فليسمى مايسمى.. إنه غريب على أحلامي.
والآن..ما الآن؟!..الآن تركت المستقبل الآتي لأبني غيره في عتبات ظلمتي إلى هناك..
الغد.
________________________________________________
15/7/1990
الصدى..قلة ما كنت أصغي أليه ربما لأن وقتي الخرافي لا يتحمل الأصغاء وربما لأني كنت الصدى نفسه...نعم أنا الصدى.
كيف؟! لا أعرف,.ولكنها جزء لا يتجزء مني كأي بلد على ورق الخريطة الهش,بدات بذاك الشعور تسلل الفراغ المملوئ بالعاطفة داخل الروح,ومتابعة الوقت بانتظار اللاشيئ مع أنني لست من هواة الوقت,وتضارب المقطوعات على أوتار عود النوتة الموسيقية ذاك النغم الضائع الغني المشبع بجداريتها في شرقيتي المتحضرة,الغيرة الندم الامل المتفسخ... وكل مايسمى بجن العشق.
ما أسوأ الشعور في صمت الكلمات..عندما تسألني صاحبة الحلم المستأجر كما أسميه <غرفتي المستأجرة> ـأهناك شيئ يجتاحني صمت الكلام ليرسم على لساني لا شيئ ويرميها لأذنها ثقيلة السمع..تلك العجوز صاحبة الشعر المشقر واليدين الناعمتين وعيناها الضالتين في الماضي أقسم أنها كانت تملك روح فتاتي الماضية..
كل ما يقال الآن سيملئ دفتر ذكرياتي وأنا لا أريد انتهاء أيامه أحبذ أن يكون أبدي لا يعرف موت أوراقه..
اشتقتك فتاة الماضي
_________________________________________________
17/7/1990
أسابق الحاضر في نفسي الساذجة للأتناسى ماتبقى منها..ريح المانوليا في زجاجتها المتعبقة في طريقنا المسكون بنا,عيناها الدافئتين بحر بلا مرسى, يداها المتشبثة بكتب الحضارات لتثبت لي أنها من صناع الحضارات نفسها,أظفارها المقضومة بأسناني لتخمش بها كتفي في أوج طقوسنا, ورقتي المتروكة مابين نهديها وصرتها ما أبهى الحبر فوق الجحيم,شعرها اللعوب مع نسمات الفضا,تموجات خصرها مع تضارب قدميها على كلاسيكيتي الموسيقية,طفولتها الضاحكة مراهقتها المترددة جهلها في أنهاء المناقشات منطقها وفلسفتها الخاصة...شفتاها في الأبدية وانكبابهما على جسمي المتعجرف
في الأشتياق..
كنت سيد حرائقها فكانت قيثارة سمائي..أأنساها؟!وأنا الذي كنت أقول ستبقين طفولتي وحاضري ومستقبلي..
اشتقتك قيثارة حرائقي
_________________________________________________
19/7/1990
فيروزية فنجان قهوتي في ياسمين نسيم الصباح..أشربه كما هو فالقهوة تشرب من غير بلورات السكر اشربه بسرعة لطالما كنت من كارهين الأنتظار اقلبه لأنظر في عالم الفناجين مع أنني لا أفقه علم الفناجين ألا أن الفضول لملاحقة عيناي في رسوماته تقتلني لأفسرها في باطني الطفولي كما أريد كجدار بيتنا القديم المترهل فهنا قبلة منها وهنا دمعها وهنا هي.. مبعثرة أجمعها.
أسائل نفسي كيف سيكون صباحي في حضورها فهي ليست من هواة الفيروزية,أستصنع قهوتي كما أريد؟!ولكن أدرك اني أستيقظ قبلها في فراشنا لأراقب هدوئ جسمها البارد لأقول: صباحي أنتي..ابعد خويوط اصفرار الشمس وستار النافذة الراقدين فوق خديها,وأطالع جنوني بجنونها وألخص الوجود بها,فأعيد دراسة منهاجها وأراجعها قبل اختباري اليومي معها.
ستكون حقا هي صباحي..
أجمع نفسي الوهمية..لأرجع في عتبات ليلي الأسود وأضيع من جديد في حضورها مابين تعبق ياسمين الليل وأشباع الهواء لكوكب الشرقية<أم كلثوم> من يقرأ كلامي سيوقن أنها ستكون مجرد حكاية حياة كما كانت عند غيرنا ولكنهم لا يعرفون كيف تكون الحياة في حضورها هي..
أسابق لأقول مسائي أنتي..لأحتار في أقوالي
صباحي أنتي,أم مسائي أنتي..تكفيني انتي.
__________________________________________________

20/7/1990
هناك فقط أتوقع لأصلي وألوح لألتقي وأنكب للأقبل...هناك فقط
ليس كلام مزاح في هذه اللوان الأبيض والأسود هناك فقط بين حروف الأبجدية من ألف ألى ياء وحركات التنوين من فتح لسكون والعلامات الأخرى..
نعم أن الحروف تموت حين تقال.. هناك فقط
نعم أن الرومانسية المتوقعة حرب فحب..هناك فقط
نعم الكوليرا من الهيام..هناك فقط
شعر بأضطرابات النفس ونثر لموج بلا ريح ورواية مزقت على باب الغرفة القديم تحت طاولتي النصف متحطمة وحرقت بلعنة مصباحي المعقد, أراسل بلا ورق ولا أجهزة التلغراف والتلفون والأجهزة النقالة,أراسل نفسي بنفسي لا أحد يكتب غيري ولا أحد يعلم ببياض ما أكتب غيري أنا, لأرسم بسواد قلمي الجاف وأنفخ به سحاب بلا قدر.
هناك فقط.. أنا وهي
______________________________________________

بلا تاريخ...
سأتابع ماتبقى من عالمي الأخر عالمي الواقعي دون الخرافي أتوقف عن مذكراتي المتجعدة لأرى غدا كما لم يكن...
سأنتظر الغد..