نظرة في عين جالوت!

التاريخ لا يعيد نفسه بل البشر هم الذين يعيدون أنفسهم.
فهم الذين عبدوا الأصنام مع أنهم أتتهم الرسل منذرة لشناعة فعلهم
وهم الذين عصوا الله وهم الذين قتلوا بعضهم ووأدوا بناتهم
وهم الذين تقاتلوا على السلطة والعرش وتنازعوا بينهم أمرهم.
فالتاريخ ليس سوى شماعة علق عليها البشر أخطاءهم وأخطاء من سبقوهم.


نظرًا للتكرار الذي يحصل بداخل بني البشر والصراع الداخلي
والخارجي الأبدي الذي هو بذاته سيستمر لأجلٍ مسمى "موجود"
فنحن يجب أن نرى الأشياء بشكل مختلف.
وهذا الشكل المختلف أو المنظور المختلف هو المنظور الذي طرحه لنا القرآن منذ ١٤٠٠عام "
وإنه قد كثر علينا تكرر هذا الرقم" ولكن أين العِظة؟!

فالمنظور الذي طرحه القرآن هو عين الحق وهذا المنظور يقول
اتعظوا وانظروا للأمم التي سبقتكم بالعيش وانظروا كيف فنوا وانتهوا،
لا تقعوا في نفس أخطائهم ولا تكرروا زلاتهم وهفواتهم.
فحضارتهم وتقدمهم لم تغنِ عنهم شيئًا فهي مجرد رمز لمن كانوا
وما كانوا عليه ولا يهم من كانوا وما كانوا إلا أنهم انتهوا وفنوا،
هُم وعلمهم الذي حصلوه وحصدوه وشعروا معه بالقوة.


فلا قوة سابقة، ولا قوة جابرة غير قوة الله سبحانه وتعالى الواحد الأحد،
فهكذا صاغ لنا الدنيا لكي يرينا أننا ليس لنا القدرة التامة فالتمام والكمال له.
ومعركة عين جالوت عام ٦٨٥هـ التي دارت بين المماليك والمغول
كان لها سبقٌ من العدة والاستعداد للمسلمين.
فلولا قوة الله سبحانه وتعالى لاندثر الإسلام بتلك المعركة وأكمل المغول زحفهم
وعاثوا بالأرض الفساد فهم لا دين لهم ولا شريعة تحكمهم
غير غريزتهم الإنسانية التي هي بدورها اضمحلت
واندثرت وأصبحت حيوانية لا يحركها إلا إبليس.




فما حدث أن المغول "كانوا قومًا رعاة وعاشوا على السهول في الهضبة المنغولية
وهي هضبة واسعة وقد عملوا فيها بالرعي والصيد.
وكانت تعيش حولهم حضارات وممالك لها شأن فكانوا يغيرون
على أطرافها كلما استطاعوا وكان معظمهم من الوثنيين وعبدة قوى الشيطان
وتنتشر عندهم الإباحية.
وعُرفت حروبهم باللؤم والغدر ونقض العهود وإراقة الدماء
فهم أسوأ السيئين فيسلبون كل شيء ويهتكون الأعراض ويقتلون العزل والأطفال."


إذًا فهم قوم نشؤوا نشأة غير دينية أقرب للنشأة الشيطانية
التي يزرعها الشيطان في بني آدم في كل عصر وفي كل عهد
لكي يجمع جيوشه من بني آدم ليدمر الفاسد منهم الصالح.



وفي الجهة المقابلة كان الله يعد جيشًا لهم يستطيع أن يقف بوجههم.
ففي ذلك الزمن ضعف الإسلام أيما ضعف بسبب بُعْد الناس عن الإسلام
وبسبب الغزو المغولي
–الغزو المغولي أنهى الدولة العباسية وعين جالوت وقعت بعد الغزو بسنين-
والغزو الصليبي وتردي الأحوال الاقتصادية وتفشي الفقر.
بينما شهد العالم الإسلامي في أواخر زمن الخلافة العباسية
تناحرًا على السلطة وحربًا ضروسًا عليها
مما ساعد على قيام العديد من الدويلات الصغيرة
والتي كانت سببًا رئيسًا لعدم الاستقرار وضياع الحقوق
فسبب ذلك بُعْدًا عن الإسلام.


ومن أسباب الضعف أيضًا نشوء الدويلات الشيعية والتي هي بدورها
ساهمت في البُعْد عن الدين القويم فانتهى العصر العباسي
بدخول المغول وقتلوا آخر خليفة عباسي وهو المعتصم.


ومن جهة أخرى "فنشوء مسمى المماليك يعود إلى عهد الدولة الأيوبية
والمماليك جمع مملوك الذي اشتري بالمال وقد استقدمهم سلاطين
الدولة الأيوبية من بلاد مختلفة واشتروهم وهم غلمان صغار
وقد باعهم آباؤهم لكي يدفعوهم للمجد في القصور
وقاموا بعزلهم عن الناس في أبراج خاصة وتربيتهم تربية دينية وعسكرية مناسبة،
ثم كونوا بهم جيوشًا وقد وصل عدد كبير منهم إلى مراتب عالية ورفيعة جدًّا
وكانوا يتميزون بالشجاعة والإقدام ولا يعرفون لهم ولاء إلا ولاء الإسلام الذي ينتمون إليه. "


والنقاش هنا ليس بكونهم عبيدًا أو مملوكين فهم أحرار تمامًا
وأن بيعهم باطل ولقد كانوا جميعهم صفقات غير مشروعة
وذلك بسبب أن الرق لا يجيء في الإسلام إلا عن طريق الحرب الدينية
التي يقصد بها الجهاد في سبيل الله.

لذا فهؤلاء من وجهة نظر الشرع الإسلامي أحرار.
وهي بحكم القدر النشأة المناسبة التي جهزها الله
لهذا الزحف المغولي حيث ما كان من الممكن لحال المسلمين
في ذلك الزمن أن تكون لهم القدرة في رد ذلك العدوان المسطر بالشر
وهم بذلك التهالك والتفكك والانحلال الديني.


فتلك كانت قاسمة الظهر للمغول فهؤلاء الذين نشؤوا على الدين والقتال
ولا يخافون في الله لومة لائم هم نفس الجيش الإسلامي
الذي عرفه المسلمون في صدر الإسلام فتلك كانت نشأة صغار المسلمين
الذين فتحوا البلدان ونشروا الإسلام.


فكانوا بذلك يتجهزون بغير علم لزحفٍ شرير لم يكن ليترك منهم أحدًا.
فمن هنا لا بد أن نرى الحكمة والقدرة الإلهية
وأن الأمر كله بيد الله فيمكر هؤلاء والله يمكر بهم والله خير الماكرين.
فمهما ازداد الناس شرًّا يكون هناك أناس على قدرهم بالخير.


فهزم المماليك المغول في معركة عين جالوت وانتصر المسلمون انتصارًا عظيمًا بإذن الله
وحطموا أسطورة المغول.
ولم يكن قد انتصر أحد على المغول قبلهم.


فالبشر لا يتعظون من أخطاء من سبقوهم ولا يرون القدرة الربانية
في مَن سبق وكل الذي سبق به حِكم ومواعظ ربانية
ولكن ليس هنالك من يرى بعين الحق فينسون
أن الأمر كله بيد الله ويدُ الله وقدرته فوق كل شيء
وبتدبيره وحكمته نسأله أن يدفع عنا البلاء.