عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2018, 09:38 AM   #108
عاشق جديد
 
الصورة الرمزية zinova
رقـم العضويــة: 481391
تاريخ التسجيل: Oct 2018
العـــــــــــمــر: 30
الجنس:
المشـــاركـات: 15
نقـــاط الخبـرة: 12

افتراضي رد: ●● |نقاش الكتب الادبية || ●●






-رأيت كيف يقوم بتفصيل كثيف في سرد مشاعر الشخصيات، حتى شعرت وكأنه يضعها في ملعقة، ويطعمني إيّاها.

لطالما اردت ان اعقب عن انطباع كيلوا الخاص بالجريمة والعقاب وخاصة كلام صديقه هذا .. الا ان كسلا وجوديا منعني من ذلك
لكن بما انك اعدت احياء النقاش عن الجريمة والعقاب فالان سادلو بدلوي ... ان هذا القول اجده غير مصيب بالمرة فيما يقصد اليه , فغرض دوستييوفسكي من رصد كل تغير وحركة لنفسية الشخصية ليس هو تنويرنا وتعريفنا بل العكس فهو يقوم بذلك لاجل ان يرينا كم هو معقد ومجهول هذا الذي يسمى بالانسان . ان غرض دوستويفسكي بالتحليل السيكولوجي المكثف للشخصياتههو ان يرينا كم هو مستحيل معرفة الغير , وذلك من خلال رصده للفوضى التي تحكم النفس البشرية ... فليس غريب بعد ذلك ان يقول فرويد مؤسس علم النفس التحليلي انه لم يتعرض لقضية في هذا المجال الا ووجد دوستويفسكي قد سبقه اليها

فلا اتفق مع كيلوا وصديقه بان دوستويفسكي لا يترك لنا المجال لنستدل عما يدور بخواطر الشخصيات , بل اجد ان دوستويفسكي يفتح امامنا افاقا الى عوالم مجهولة لم يتم التنقيب فيها من قبل ,وهذا احد اكبر اسباب تقدير كل من نيتشه وفرويد لهذا الاديب الروسي .لكن يبقى الامر مسالة تفضيل شخصي ... انا نفسي وجدتني استثقل كمية التفصيل الهائلة عند اول قراءء لكنني الان اصبحت لا استصيغ اي عمل لا يقوم بحد ادنى من التفصيل . غياب التفاصيل الدقيقة في عمل ما اصبح يولد عندي شعور بوجود فراغات هائلة في هذا العمل وبالتالي تقدير اقل للعمل .

ويا رجل بعد القراءة لتولستوي ستجدون دوستويفسكي معتدلا فيما يتعلق بقضية الكثافة .. لكني اصبحت اقدر هذا الاسهاب في وصف الشخصيات والاماكن لانه حقا ينم عن عبقرية ودقة ملاحظة خارقة .الى الان لا ازال اتسائل كيف امكن لتولستوي ان يكتب عملا كانا كارنينا او الحرب والسلام بشخوصها المتنوعة وعادتها المتعددة واماكنهها المختلفة .. حقا يخيل الي ان كل ما كان يفعله الرجل في حياته هو مراقبة الاخرين وتدوين ملاحظاته .
فان قلنا عن دوستويفسكي عالم نفس , فان تولستوي بالتاكيد عالم اجتماع

وصراحة عبقرية دوستويفسكي في مجال التحليل النفسي يقدرها القارئ خاصة عندما يجده يصف ويحلل امورا قد جربها او مرت عليه من قبل ... والحق يقال انه وبالسنبة لي على الاقل اجد دوستويفسكي قد فتح عيني على عديد من الامور اعتلجت بنفسي ولم استطع سبر اغوارها الا من خلال اعماله .

هناك امر اخر وهو ان هذه التفاصيل تخدم بشكل كبير في جودة البناء للاحداث المهمة بالقصة ... وكما قلت يا جين فقد وجدت انت ايضا ان حدث وفاة كاترينا إيفانوفنا ماكان ليكون بذلك الوقع لولا اطناب الكاتب في الوصف , واهنيك على هذه ملاحظة
ودعني اخبرك باحد الطرائف التي وقعت لي خلال قرائتي لانا كارنينا . فخلال قرائتي للرواية وجدت ان تولستوي تاخر في طرح عقدة القصة ولا اخفيك اني شعرت بالضجر والغضب من تركيز الكاتب على احداث ثانوية , فاذا به يصف لنا سباقا للاحصنة
بالميلمتر , فيحدثنا عن علاقة البطل بحصانه , ويخبرنا عن انواع الاحصنة وعن تاريخ السباق .... صراحة مللت من الحشو الزائد هذا ما كان احساسي حينها . لكن حادثا سيقع بهذا السباق هو ما سيقدم الكاتب من خلاله للعقدة , وحينها فقط ادركت ان كل تفصيلة سبقت هذا الحدث الا وكان الغرض منها البناء الدقيق والفريد منه للعقدة ... وحينها فقط تحسرت على كل ما قلته عن الاديب من قبل .

ونفس الشيء يقال عن دوستويفسكي فالوصف الدقيق لتقلبات المشاعر يصب دائما في صالح سيرورة الاحداث ويقود اليها , فمثلا انتحار سفدريجالوف .. صراحة بعدما رفضته دونيا وذهابه الى الفندق والاحلام التي راودته علمت انه سينتحر ,
لن اقول لك ان بنيت هذا التوقع على استنتاج منطقي .. لا بل العكس فالامر كان مجرد احساس ملح او كالنبوؤة . وحتى عندما اطلق الزناد تفاجأت تماما لم اصدق انه فعلها
نعم يا صديقي جين فحادثة سفدريجالوف , يخبرنا دوستيفسكي ان الانسان لا يمكن ان تناقشه وتحلله بالعقل فهو كائن متناقض يمشي على الارض , فعند دراسة هذا الكائن العجيب لا بد وان ناخذ بعين الاعتبار هذا الجنون الذي يحكمه . فبعدما كان سفدريجالوف يقسو على دونيا ويعنفها في بيته الى ان يقتل نفسه من شدة حبه لها

ان وصفك لراسكولنيكوف باللغز تماما هو ما يريد ايصاله دوستويفسكي للقارئ عن الانسان بصفة عامة .. ففي النهاية نحن لا نعلم ما يعتلج بدواخل الانسان ويحركها , فالمظاهر لا تخبرنا الا باقل القليل ولهذا نجده يطنب في التحليل الداخلي
وستتفجأ من دقة وصف دوستويفسكي لاعراض مرض الاكتئاب من خلال راسكولنيكوف سواء من اهماله لملبسه , الوساوس التي تراوده , حتى نوعية الكوابيس والاحلام التي تراوده بالاضافة الى توقفه عن الدراسة , والتي بالتاكيد لم يكن السبب ماديا تماما فكما قلت كان بامكانه تدبر المصاريف
ان ما يعاني منه البطل هو ما يسمى فلسفيا بالعدمية .. اي فقدان المعنى . وبهذا قرر ان يصنع لحياته معنى خاصا به وان يشحذ مبادئه الخاصة لا تلك التي وجد ابائه عليها , ان المقال الذي خطه راسكولنيكوف يشابه بشكل كبير ما تحدث عنه نيتشه بفسلسته الخاصة عن الانسان الخارق . ولكم ادهشني ان دوستويفسكي قد سبق نيتشه الى هذه الفكرة على الرغم من ان هناك اختلاف جوهري بين الفكريتن .

على الرغم من هزيمة نابوليون الساحقة ووفاته الا ان شبحه ظل يخيم على القارة العجوز طيلة القرن 19 , وكان ما حققه هذا الغازي الفرنسي يلهب طموح الملايين من الشباب , وراسكولنيكوف واحد منهم
الا اننا نجد المسكين اخفق اشد الاخفاق في تجاوز اول حاجز امامه , فحتى اننا نجده يبحث عن كل الاسباب التي يمكن ان تبرر جريمته من الناحية الاخلاقية , فقد اختار عجوز ومرابية تمتص دماء الفقراء , ففي النهاية لم يستطع ان يتجاوز طبيعته
فمن بداية الرواية كان واضحا مصيرا البطل وانه ليس من اولئك الخارقين الذيين تحدث عنهم ... لقد حاول ان يتمرد على قدره الا انه في النهاية استسلم لمصيره .
وكما قال راسل فدوستويفسكي حاول القضاء على شبح نابوليون كما فعل تولستوي بعمله الحرب والسلام .




التعديل الأخير تم بواسطة zinova ; 10-18-2018 الساعة 03:10 PM
zinova غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس