الموضوع
:
●● |نقاش الكتب الادبية || ●●
عرض مشاركة واحدة
05-05-2023, 04:30 PM
#
442
كيلوا الذي يكتب
كيلوا الذي يكتب
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى كيلوا الذي يكتب
البحث عن المشاركات التي كتبها كيلوا الذي يكتب
موعدنا بعد ألف عام
معلومات
الجوائز
الإتصال
رقـم العضويــة:
477232
تاريخ التسجيل:
Feb 2018
العـــــــــــمــر:
30
الجنس:
المشـــاركـات:
139
نقـــاط الخبـرة:
41
الأوسمة
رد: ●● |نقاش الكتب الادبية || ●●
كنت أقلّب في ملفاتي القديمة، وكان من عادتي أن أحفظ مشاركاتي التي كنت أكتبها أيام المنتديات في ملف خاص، ووقعت على مشاركة كتبتها قبل مدة طويلة، ثم نسيت أمرها، وكان موضوعها تتمةً للقصاصات التي نشرناها هنا قبل ثلاث سنوات. ورأيت أن أكمل الناقص منها وأضعها هنا بما أن النية كانت أن توضع هنا من الأساس، فذلك أرحم لها من تركها محبوسة إلى الأبد بين الملفات.
قلنا قبل ثلاث سنوات:
(
***
)
أما اليوم فنقول:
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (76):
الأشرار وسر النبوغ
قرأت مقالة الرافعي عن سر النبوغ في الأدب.
وقرأت مسرحية عُطيل لشكسبير، وأعجبتني شخصية
الشرير المدعو ياجو، فهو رغم شره، كان حلو الحديث، ذليق اللسان، يتكلم الكلام المناسب دائما، فيؤثر في الآخرين كأنه ساحر.
قلت: هذا هو سر النبوغ في الأدب.
فذهبت إلى الشارع وصادقت الأشرار الصائعين الضائعين، واكتشفت أنهم جميعا لم يقرؤوا مقالة سر النبوغ في الأدب، ولكنهم رغم ذلك يتحدثون بكلام ساحر مخادع مثل ياجو.
وهكذا فهمت أن الأدب هو أن تخدع الناس عن أنفسهم.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (18):
دستويفسكي وتشيخوف وتولستوي
لو كان لي أن اختار بين هؤلاء الثلاثة، لاخترت تشيخوف وأنا مغمض العينين.
قال تولستوي بحكمته النافذة: ولكنك أغمضت عينيك، فكيف سترى الذي اخترته؟
فابتسم دستويفسكي ابتسامة رهيفة، ولم يقل شيئا.
أمّا تشيخوف، فأمسك القلم، وأنشأ يكتب قصة قصيرة عنوانها: المغفل.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (11):
حالة اكتئاب
جلستُ حزينا ومكتئبا وأغمضت عيني حتى لا أرى من الدنيا شيئا، فقال لي صديقي:
انظر إلى السماء تتلألأ فيها النجوم تلألؤ الجواهر النفيسة في جيد الحسناء.
فلم أنظر، ولم أبال، ولم أرفع رأسي.
قال صديقي:
انظر إلى كيف تتراقص العصافير إلى الأشجار سعيدة مسرورة، كأنها مدعوة إلى احتفال في قاعة من الأوراق والأغصان.
فلم أنظر، ولم أبال، ولم أرفع رأسي.
قال صديقي:
وهناك... هناك... انظر إلى ذلك الطفل يلهو ويضحك في الحديقة كأن ليس في الدنيا إلا ما يلهي ويضحك.
فلم أنظر، ولم أبال، ولم أرفع رأسي.
ثم جاءت ثلاث فتيات رقيقات جميلات، ومررن أمامنا كأنهن الأقمار السائرات.
قال صديقي وقد انعقد لسانه:
ويلك، انظر، انظر!
فلم أنظر، ولم أبال، ولم أرفع رأسي.
قال صديقي مغضبا:
أفٍ منك ومن اكتئابك!
لأنت كالح مثل سماء الليل المعدمة النجوم،
ونفسك فاترة مثل جسد يستعجل الموت.
فلتجد حفرة، ولترم بنفسك فيها،
فإننا لا نحتاج في دنيانا إلى أحياء أموات.
فباليت بما قاله صديقي، وفتحت عيني، ورفعت رأسي، ونظرت مليا في عينيه. وذهبت ووقفت على شفا حفرة عميقة، ورميت فيها نفسي.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (102):
الحق والخير والجمال
وأخيرا عرف الناس من أين أتى الحق والخير والجمال، ففي رواية ستونر في الصفحة الخامسة والثلاثين تحديدا، في نصفها الأعلى، كان مكتوبا:
"الحق والخير والجمال، توجد هناك عند المنعطف، في الرواق التالي، في الكتاب التالي الذي لم تقرأه أو الذي على الرف الآخر الذي لم تصل إليه لكنك ستصل إليه يوما ما."
وفرحوا وضحكوا وشمتوا بي إذ حسبوا أنهم كشفوا سري الذي أخفيته عنهم منذ سنوات طويلة، غير أني ضحكت في نفسي ضحكا مجنونا وانصرفت عنهم من دون أن أقول شيئا، لأنني أعرف أن الحق والخير والجمال لم يأتوا من هناك.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (110):
الشعراء الذين اتبعهم الغاوون
قال شاعر عربي ذاع صيته في الأرجاء:
وأخف من بعض الدواء، الداءُ.
وقال ثان تفرّد في سماء الإبداع:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
وقال ثالث بلغ النجومية في الزهد:
أنت بلائي وأنت دائي
وأنت تدري، فما دوائي؟
ولمّا سمع الناس هذه الكلمات، تبرّموا بالمستشفيات، وسخروا من الأطباء، وقام المرضى من أسرتهم في العناية المركزة، وعادوا إلى المنازل .
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (91):
الرجال الصالحون
وصل إلى مسامع الرجال الصالحين أن رواية "قمر السيدات" فيها أحداث لا تليق بالحياء، وليس الغرض منها إلا تشويه المجتمع، والدعوة إلى المفاسد والانحلال،
فتـدلت حبال المشانق، وبرّزت الخوازيق، وسعرت النيران، ونادى الصالحون نداء المجاهدين الأبطال بالذود عن الوطن والدين.
وأحرق الرجال الصالحون نسخ الرواية كلها، وأعدموا كل من سولت له نفسه نشرها في صيغة PDF. وحينما رضي الصالحون عن جهادهم، عادوا إلى منازلهم بأفواهٍ باسمة، واسترخوا على أرائكهم وهم يتابعون "نت-فلكس" التي تدعو إلى الصلاح ومكارم الأخلاق.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (134):
الذي ذهب إلى بيروت
كان الكاتب السوري حنا مينا، يعمل حلاقا ويكتب القصص أحيانا إلى الصحف، وذات يوم من عام 1946 وقف على باب حلاقه رجل كهل وأخذ يحدق فيه بإشفاق، وقال فجأة: ألا تزال هنا؟ لقد ذهبتُ وجبت الدنيا. تطوعت في جيش الحلفاء، وحاربت في كل مكان... ولشد ما رأيت من أشياء، وها أنا أعود لأراك لا تزال هنا! نفس الوقفة، تمسك بالمقص والمشط.
نظر حنا مينا إلى الرجل وهو يبتعد ويختفي شيئا فشيئا، ثم أقفل حلاقه، وحمل متاعه، وذهب إلى بيروت كي يصبح كاتبا.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (6):
الصرخة الهائلة
قرأت مرة كلمة للمنفلوطي ينصح فيها رجلا يريد أن يستقيل من وظيفته ويتفرغ للعمل الصحفي، وكانت بداية النصيحة هكذا: أيها الرجل لا تفعل! فإنك إن فعلت خسرت ماضيك...
ولم أكثرث بالنصيحة نفسها، وإنما جذبني أنه بدأها بداية قوية بقوله: أيها الرجل لا تفعل!
وتراءى لي أنها كلمات فيها صرخة هائلة مدوية، وأن المنفلوطي كان يصرخ ويضرب مكتبه حينما كتبها، ثم أقسمت أنني سمعت الصرخة وصدى كلماتها يتردد حولي.
أيها الرجل لا تفعل! أيها الرجل! أيها الرجل! لا تفعل!
وعلمت أن الرجل في النهاية لم يفعل، وبقي في وظيفته، لا عملا بنصيحة المنفلوطي، بل رعبا من هول الصرخة.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (311):
ملخص ما حدث في المقهى ذي النافذة العريضة
دخلت صباحا مقهى ذا نافذة عريضة تطل على البحر، وطلبت قروص العسل وكأس شاي قليل السكر، وجلست مستمتعا بالصحة والشباب وآمال المستقبل.
ودار في خاطري أن البحر جميل جدا لأنه واسع ويخفي في صدره حكايات كثيرة. وفجأة خرج رجل
من البحر، وتقدم ببطء نحو الشاطئ، ثم نحو المقهى، ودخل وجلس إلى طاولتي وقال سريعا:
اسمي إيرّي دي لوكا، وقد خرجت من باطن البحر لأجيب عن سؤال واحد تسأله.
فسألت من غير تردد:
ما هي مسؤولية الروائي في الحياة؟
قال:
مسؤولية الروائي أن يكتب الروايات بشكل جيد، كما أن مسؤولية الإسكافي أن يصلح الأحذية بشكل جيد، والخياط أن يخيط ملابس جيدة، والطباخ أن يطبخ طعاما جيدا.
ثم قام إيرّي دي لوكا من غير أن ينتظر تعقيبا مني أو يطلب لنفسه كأس شاي، وراقبته من النافذة العريضة، وهو يخرج من المقهى، ويرجع إلى البحر.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (10):
الكلمات الخمس
واحدة من أجمل كلمات الرافعي عندي، لم تكن في وحي القلم، ولا أوراق الورد، ولا رسائل الأحزان، ولا أي من كتبه، بل كانت في رسالة إلى صديقه، وهي لا تزيد عن خمس كلمات:
-كن رجلا أكثره من روحه.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (52):
الجاهل نفسه
رأيت فتاة بسّامة ضحّاكة تكاد تطير من خفة روحها، فخيّل إلي أن بهجة الدنيا كلها تشرق من وراء ثغريها، وقلت: يا لها من فتاة!
ورأيت فتى يحمل على ظهره صخور أيامه، وأيام غيره، وحينما يلقيها، يستريح هنيهة تبدو عنده كأنها نعيم طويل، ثم يسير غير متثاقل، غير متباطئ، وظهره مستعد لصخور جديدة، فقلت: يا له من فتى!
وأردت أن أرى أي نفس هي نفسي، وأمعنت النظر في المرآة طويلا، فما رأيت غير الضباب.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (239):
آخر عقلاء الدنيا
ذهبت إلى الطبيب وقلت: ألست طبيبا تعالج المرضى من الناس؟
قال: بلى!
قلت: فأنا واحد من الناس، وصادف أنني مريض أيضا.
قال: وكيف؟
قلت: يقول الآخرون إني مريض جدا، والحق أنني لا أحسبني مريضا.
قال: هلّا شرحت؟
وهنا مددت جسدي واسترحت على المقعد مستعدا لأسرد القصة كلها.
قلت: في الأول من أمس، صفعت رجلا على قذاله لأنه رمى القمامة على الشارع، فنادى علي الشرطة، ووقعت تعهدا بعدم التدخل في أين يرمي الناس قمامتهم.
وقلت:
وأمس، قلبت طاولة المقهى على رؤوس ثلاثة شبان كانوا يدخنون، وصرخت: ألا تقرؤون أن التدخين ممنوع؟ ألم تعلمكم المدرسة القراءة؟ فأغرمني صاحب المقهى جزاء الطاولة المقلوبة، وطردني كأنني أنا الذي خالف القانون.
وقلت:
واليوم، ذهبت إلى المكتبة حيث ينص القانون على الهدوء، وهناك سمعت فتيات يتكركرن بصخب كأنهن في مقهى لا في مكتبة. فذهبت إليهن بعزم وقلت: ماذا تفعلن؟ وهل يأتي الناس إلى المكتبة كي يتكركروا ويتفقـفقوا؟ وصحت بهن: اخرجن من هنا!
فوضع أمين المكتبة اسمي في القائمة السوداء.
وبقي الطبيب صامتا، فواصلت:
أترى العلة؟ يقال إنني أعاني حالة من عدم الفهم والتوافق مع البشر... ولكنني مصر على أنهم هم الذين لا يفهمون.
وهنا ابتسم لي الطبيب ابتسامة متفهمة، فحمدت الله أن هناك من يفهم، وأن الدنيا ما تزال بخير. ورفع سماعة هاتفه وضرب بضعة أرقام، ثم قال: ...أرسلوه إلى مستشفى المجانين!
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (199):
المانجاكا الروائي
بعد أن قرأت المانجا البديعة فتيان القرن العشرين، ازداد تصديقي أن ناواكي -مؤلف المانجا-، هو في الأصل روائي ولكنه قرر لسبب مجهول أن يرسم المانجا.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (79):
بداية الحرافيش
في ظلمة الفجر العاشقة، في الممر العابر بين الموت والحياة،
على مرأى من النجوم الساهرة، على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة،
طُرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا.
هكذا بدأ نجيب محفوظ رواية الحرافيش.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (160):
صاحب القصاصات
أسفت على حياتي ولم يعجبني حال الدنيا، فتنكرت في هيئة كيلوا الذي يكتب، ودخلت مجلسا لا يكشفني فيه أحد، وهناك قابلت كيلوا الذي يقرأ، وكيلوا الذي يكذب، وكيلوا الذي يرسم، وكيلوا الذي يعزف، وكيلوا الذي يضحك، وكيلوا الذي يجلس، وكيلوا الذي يركض، وكيلوا الذي يتفلسف، وكيلوا الذي يلعب... وغيرهم من الكيلوات الذين يفعلون الأشياء.
وكان محور نقاش المجلس، البحث في حقيقة كاتب القصاصات. ونظروا إليّ جميعا بحكم أنني الذي يكتب، ولا بد أنني من كتب القصاصات، فقلت كالمسكين:
-إنني بريء، ولا بد أن يكون من بينكم شخص يدعى كيلوا الذي يصنع القصاصات، هو الذي كتبها!
فقالوا لا وجود لهذا النوع من كيلوا بينهم، وأن خط الكتابة على القصاصات يشبه خط كيلوا الذي يكتب.
قلت:
-دعوكم من هذا الكذب والتلفيق، فإن من بينكم واحدا يدعى كيلوا الذي يلفق، هو الذي كتبها ولفق الخط!
فأقسم كيلوا الذي يلفق، أنه تاب منذ زمن بعيد، ولم يعد يلفق إلا الأخبار الزائفة على تويتر وفيسبوك.
قلت مشيرا إلى كيلوا الذي يسكت:
-لا أحد غير هذا إذن! الساكت دائما يخفي شيئا، والمثل يقول: الساكت ناكت. هو لا ريب الذي كتب ذاك الهراء في القصاصات، فخدش حياء المجتمع وأفسد الذوق العام.
وسكت كيلوا الذي يسكت، وعُدّ سكوته اعترافا بأنه المجرم صاحب القصاصات، فتكالبوا عليه، وسحبوه من المجلس إلى ساحة الإعدام. وبقيت أنا مغبوطا في هيئة كيلوا الذي يكتب، ولم يكشفني أحد، واستمرت القصاصات في الانتشار.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة(162):
معرض الكتاب بعد ألف عام
كنت أمشي في معرض الكتاب بعد ألف عام، وقررت أنني لن أشتري كتبا هذه المرة، فطوال 999 عاما كنت قد اشتريت ما يكفيني.
ورأيت باعة ما زالوا ينادون بكتبهم، كما ينادي باعة الخضراوات بسعر كيلو الطماطم.
ورأيت دور نشر ما زالت تنشر أعمالا، كتبها أشخاص لم يقرؤوا كتابا في حياتهم، ولكنهم يملكون نصف مليون متابع في انستجرام.
ورأيت مؤلفين ما زالوا يقيمون حفلات توقيع ويبتسمون للتصوير، وقد بيّـضوا أسنانهم عند الطبيب، حتى يتألق ضياء الابتسام بجانب كتبهم.
ورأيت مترجمين ما زالوا يترجمون الشرق غربا، والغرب شرقا، واليسار يمينا، واليمين يسارا، ثم يضعون أسماءهم بافتخار على أغلفة الكتب.
ورأيت كتَّابا ما زالوا يدعون أنفسهم أدباء ويبذلون ماء وجوههم من أجل حب الظهور.
ورأيت أناسا ما زالوا يشترون الكتب، ولكنهم لا يقرؤون.
ورأيت دور نشر شريفة ما تزال في الرمل.
ورأيت كتّابا شرفاء ما زالوا منبوذين.
ورأيت كتبا رخيصة ما زالت تباع.
ورأيت قراء ما زالوا يلهثون وراء المشاهير.
فقلت متفائلا: لعل الوضع سيتحسن بعد ألف عام.
وواصلت مشيي في معرض الكتاب مرتاحا لرائحة الكتب.
--------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------
القصاصة (122):
الأدب الروسي العظيم- الجزء الثاني
رأيت فيما يرى النائم، أنني شخصية ثانوية في رواية من الأدب الروسي، وكان أمامي رجل عريض الوجه اسمه نيكولاي سرجييتش، أو ربما فاسيلي فاسيليفتش، أو لعله متروفان بيتروفتش. وكنا جلوسا في مكتب متواضع الأثاث، وكان يحدثني بحمية وعاطفة جياشة جارفة، في حين كنت صامتا أستمع إليه ولا أقاطعه. قال لي والعواطف الدرامية تفيض من كلماته:
-اسمع يا ميخائيل بيليوخين إيفانيتش -وكان هذا اسمي الذي اختاره لي والدي الروسي-... إلى متى تحسبنا نستطيع الصبر عليك؟ ألا تعرف أننا أحطنا بألاعيبك كلها؟ إن الإنسان الشريف لا يزعم أنه كذلك، ولكن شرفه يتجلى في أفعاله...
وكذلك مضى يهذر فوقي مدة خمس صفحات من القطع الكبير، وكان كلامه عميقا عن سبر أغوار النفس البشرية. ولأنني كنت شخصية ثانوية محكوما بمشيئة مؤلف الرواية، لم أستطع التحرك من مكاني وإمساكه من رقبته أو لطمه على وجهه كي يكف عن إصداع رأسي، وبقيت صامتا في خضوع.
ولما فرغ الرجل من محاضرته الفلسفية المؤثرة، استرحت لأن العذاب قد انتهى، فإذا بامرأة تدفع الباب وتندفع داخل المكتب هائجة مضطربة، وكان اسمها آنا سيمونوفنا أو مشانكا بتروفنا.
وألقت علي محاضرة جديدة مدتها تسع صفحات، عن الظلم والبؤس والشر الذي تسببت به للناس.
وأخذتُ أتلوّى في مكاني من عذاب ثرثرتها، كأنما تحرقني نار غير مرئية.
وعندما حسبت أنها انتهت، قرر مؤلف الرواية أن يجعل الرجل والمرأة يلقيان علي محاضرة مشتركة بينهما مدتها فصل كامل عن الكرامة الإنسانية، وطال جلوسي في المكتب، وبقيتُ في العذاب.
--------------------------------------------------------------------
وبهذه تنتهي القصاصات التي بين يدينا، وما نزال في شكٍ من صاحبها الذي كتبها، غير أننا اتفقنا جميعا على أنها تشبه أخواتها السابقات اللاتي دخلن علينا من نوافذنا قبل ثلاث سنوات، كلها تخبـيصٌ وتخليط، وسخرية، وقصص مبتورة وكلام غير مفهوم. فلا بدّ إذن أنه الكاتب نفسه، لم يتغير.
وبدأنا نصدق أن هؤلاء الذين يشتغلون بالكتابة هم حقا أناسٌ يعانون من لوثة ما، ومكانهم المناسب هو مستشفى المجانين، فإنّا لله، ولا حول ولا قوة إلا به.
على أن الخلاف بيننا ظل قائما، لأن فريقا منا يصر على أن هنالك معنى منها ويحاول استخراجه، وهذا عمل يشبه عصر الصخر كي يخرج الماء. فليفعلوا ما يريدون إذن، ونحن سنفعل كذلك ما نريد.
ومما يجدر بنا ذكره أخيرا، أن القصاصات هذه المرة وصلتنا ومعها قصاصة خاصة فيها كلامٌ غامض، لم نعرف أهو تهديد أم مجرد تخليط آخر، وهذا ما جاء فيها:
القصاصة(0):
البداية
القصاصات لانهائية وسوف تنتشر.
فعبرنا عن قلقنا في بيانٍ رسمي، ونبّـهنا بكلمات واضحة على ضرورة حماية المجتمع والذوق العام.
ما يزال المعنى وراء هذه القصاصات قصيًّا على أفهامنا –هذا إن كان لها معنى- ولذا فقد كان الحكم الجديد عليها، إعادةً وتأكيدا للحكم القديم:
نحن لا نحكم بشيء على هذه القصاصات، ولكن نكتفي بالقول: إنها عندنا غير مفهومة.
...
انتهى
التعديل الأخير تم بواسطة كيلوا الذي يكتب ; 05-25-2023 الساعة
07:25 PM
الأوسمة والجوائز لـ
كيلوا الذي يكتب
لا توجد أوسمـة لـ
كيلوا الذي يكتب