عرض مشاركة واحدة
قديم 05-04-2012, 12:00 PM   #2
الاختيارية
 
الصورة الرمزية شَنَجُ الرَبيعْ
رقـم العضويــة: 56151
تاريخ التسجيل: Jul 2010
الجنس:
المشـــاركـات: 30,056
نقـــاط الخبـرة: 1041

افتراضي رد: ●● الخليفةُ الثانيّ ، عُمَر بن الخَطاب رضيَ الله عنهُ || الجزءُ الثاني || ~




.

الفصل الثالث

استخلاف الصديق للفاروق، وقواعد نظام حكمه، وحياته في المجتمع


.

المبحث الأول: استخلاف الصديق للفاروق وقواعد نظام حكمه:


أولاً: استخلاف الصديق للفاروق:

لما اشتد المرض بأبي بكر جمع الناس إليه فقال: إنه قد نزل بي ما قد ترون ولا أظنني إلا ميت لما بي وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم فأمروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمرتم في حياتي كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي([13]) وتشاور الصحابة رضي الله عنهم، وكل يحاول أن يدفع الأمر عن نفسه ويطلبه لأخيه إذ يرى فيه الصلاح والأهلية، لذا رجعوا إليه، فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك قال: فأمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده، فدعا أبو بكر عبد الرحمن بن عوف فقال له: أخبرني عن عمر بن الخطاب فقال له: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني: فقال أبو بكر: وإن فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان. فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال: أنت أخبر به، فقال: على ذلك
يا أبا عبد الله فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله والله لو تركته ما عدتك ثم دعا أسيد بن حضير فقال له: مثل ذلك، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك يرضى للرضا، ويسخط للسخط، والذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه، وكذلك استشار سعيد بن زيد وعدداً من الأنصار والمهاجرين، وكلهم تقريباً كانوا برأي واحد في عمر إلا طلحة بن عبيد الله خاف من شدته فقال لأبي بكر ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني أبالله تخوفونني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك([14]) وبين لهم سبب غلظة عمر وشدته فقال: ذلك لأنه يراني رقيقاً ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيراً مما عليه([15]) ثم كتب عهداً مكتوباً يقرأ على الناس في المدينة وفي الأنصار عن طريق أمراء الأجناد فكان نص العهد بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي، وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ
ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب} وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ(227) { (الشعراء،آية:227)

إن عمر هو نصح أبي بكر الأخير للأمة، فقد أبصر الدنيا مقبلة تتهادى وفي قومه فاقة قديمة يعرفها، فإذا ما أطلوا لها استشرفوا شهواتها، فنكلت بهم واستبدت، وذاك ما حذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه([16]) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم([17])، لقد أبصر أبو بكر الداء فأتى لهم رضي الله عنه بدواء ناجح … جبل شاهق، إذا ما رأته الدنيا أيست وولت عنهم مدبرة، إنه الرجل الذي قال فيه النبي r: إيها يا بن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك([18]). إن الأحداث الجسام التي مرت بالأمة، قد بدأت بقتل عمر، هذه القواصم خير شاهد على فراسة أبي بكر وصدق رؤيته في العهد لعمر، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أفرس الناس ثلاثة صاحبة موسى التي قالت: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، وصاحب يوسف حيث قال:أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً، وأبو بكر حين استخلف عمر([19]) ، فقد كان عمر هو سد الأمة المنيع الذي حال بينها وبين أمواج الفتن([20]) .

هذا وقد أخبر عمر بن الخطاب بخطواته القادمة فقد دخل عليه عمر فعرفه أبو بكر بما عزم فأبى أن يقبل، فتهدده أبو بكر بالسيف فما كان أمام عمر إلا أن يقبل([21]) ، وأرد الصديق أن يبلغ الناس بلسانه واعياً مدركاً حتى لا يحصل أي لبس فأشرف أبو بكر على الناس وقال لهم: أترضون بمن استخلف عليكم، فإني والله ما ألوت من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، وإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا. فقالوا: سمعنا وأطعنا([22]) وتوجه الصديق بالدعاء إلى الله يناجيه ويبثه كوامن نفسه، وهو يقول: اللهم وليته بغير أمر نبيك، ولم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، واجتهدت لهم رأيي، فولَّيت عليهم خيرهم، وأحرصهم على
ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر، فأخلفني فيهم فهم عبادك([23]).

وكلف أبو بكر عثمان رضي الله عنه: بأن يتولى قراءة العهد على الناس وأخذ البيعة لعمر قبل موت أبي بكر بعد أن ختمه لمزيد من التوثيق والحرص على إمضاء الأمر، دون أي آثار سلبية، وقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به([24])، فبعد أن قرأ العهد على الناس ورضوا به أقبلوا عليه وبايعوه([25])، واختلى الصديق بالفاروق وأوصاه بمجموعة من التوصيات لإخلاء ذمته من أي شيء، حتى يمضي إلى ربه خالياً من أي تبعة بعد أن بذل قصارى جهده واجتهاده([26])، وقد جاء في الوصية: اتق الله ياعمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تُؤدى فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل غداً أن يكون خفيفاً، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: إني أخاف أن لا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار، فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وردّ عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم، قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء ليكون العبد راغباً راهباً، لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمة الله، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت ولست تُعجزه([27]).

وباشر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعماله بصفته خليفة للمسلمين فور وفاة أبي بكر رضي الله عنه([28]).

ويلحظ الباحث: أن ترشيح أبي بكر الصديق رضي الله عنه لعمر بن الخطاب، لم يأخذ قوته الشرعية، ما لم يستند لرضا الغالبية بعمر وهذا ما تحقق حين طلب أبو بكر من الناس أن يبحثوا لأنفسهم عن خليفة من بعده، فوضعوا الأمر بين يديه، وقالوا له، رأينا إنما هو رأيك([29])، ولم يقرر أبو بكر الترشيح إلا بعد أن استشار أعيان الصحابة فسأل كل واحد على انفراد، ولما ترجح لديه اتفاقهم أعلن ترشيحه لعمر، فكان ترشيح
أبي بكر صادراً عن استقراء، لآراء الأمة من خلال أعيانها، على أن هذا الترشيح
لا يأخذ قوته الشرعية إلا بقبول الأمة به، ذلك أن اختيار الحاكم حق للأمة، والخليفة يتصرف بالوكالة عن الأمة. ولا بد من رضا الأصيل، ولهذا توجه أبو بكر إلى الأمة: أترضون بمن استخلف عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهدي الرأي ولا وليت ذا قرابة، وأني قد استخلفت عمر بن الخطاب. فأسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمعنا وأطعنا([30])، وفي قول أبي بكر أترضون بمن استخلف عليكم، إشعار بأن الأمر للأمة وأنها هي صاحبة العلاقة والاختصاص([31]).

إن عمر رضي الله عنه ولي الخلافة باتفاق أهل الحل والعقد وإرادتهم فهم الذين فوضوا لأبي بكر انتخاب الخليفة، وجعلوه نائباً عنهم في ذلك، فشاور ثم عين الخليفة، ثم عرض هذا التعيين على الناس فأقروه، وأمضوه ووافقوا عليه، وأصحاب الحل والعقد في الأمة هم النواب (الطبيعيون) عن هذه الأمة، وإذن فلم يكن استخلاف عمر رضي الله عنه إلا على أصح الأساليب الشورية وأعدلها([32]).

إن الخطوات التي سار عليها أبو بكر الصديق في اختيار خليفته من بعده
لا تتجاوز الشورى بأي حال من الأحوال، وإن كانت الإجراءات المتبعة فيها غير الإجراءات المتبعة في تولية أبي بكر نفسه([33])، وهكذا تم عقد الخلافة لعمر رضي الله عنه بالشورى والاتفاق، ولم يورد التاريخ أي خلاف وقع حول خلافته بعد ذلك، ولا أن أحداً نهض طول عهده لينازعه الأمر، بل كان هناك إجماع على خلافته وعلى طاعته في أثناء حكمه، فكان الجميع وحدة واحدة([34]).


.

ثانياً: النصوص الشرعية التي أشارت إلى أحقية خلافة الفاروق:



1- في نص القرآن الكريم دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلى وجوب الطاعة لهم وهو أن الله تعالى قال مخاطباً نبيَّه صلى الله عليه وسلم في الأعراب: } فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا {(التوبة،آية:83). وكان نزول براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شك([35]) التي تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة ولم يغز عليه الصلاة والسلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى الله عليه وسلم وقال تعالى أيضاً: } سَيَقُولُ الْمُخَلَّفونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ{ فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تبوك لهذا، ثم عطف سبحانه وتعالى عليهم أثر منعه إياهم من الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى:
} قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنْ الأعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمْ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(16) { (الفتح،آية:16-17). فأخبر تعالى أنه سيدعوهم غير النبي إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم([36]).

قال أبو محمد بن حزم: وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم، ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس، وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك([37]). فوجب طاعة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلاً وإذ قد وجبت طاعتهم فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم([38]).


.






.

2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن([39]).

هذا الحديث تضمن الإشارة إلى خلافة الشيخين رضي الله عنهما، كما تضمن الإشارة إلى خلافة الفاروق رضي الله عنه، وإلى كثرة الفتوح وظهور الإسلام في زمنه فهذا المنام النبوي مثال واضح لما حصل لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما وحسن سيرتهما وظهور آثارهما وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم وآثار صحبته فقد كان r هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام حيث قرر قواعد الدين ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه ودخل الناس في دين الله أفواجاً وأنزل الله تعالى عليه قوله:} الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الأسْلاَمَ دِينًا { (المائدة،آية:3).

ولما التحق بالرفيق الأعلى خلفه أبو بكر رضي الله عنه على الأمة سنتين وأشهراً وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ذنوباً أو ذنوبين)) وهذا شك من الراوي والمراد ذنوبان كما جاء التصريح بذلك في رواية أخرى([40]) وقد حصل في خلافته رضي الله عنه قتال المرتدين وقطع دابرهم وأشاع رقعة الإسلام في زمنه أكثر وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله لطول ولايته واتساع بلاد الإسلام وكثرة الأموال من الغنائم وغيرها فالحديث اشتمل على أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وصحتها وبيان صفتها وانتفاع المسلمين بها([41]).



.

3- عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: إني لا أدري
ما قدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار إلى أبي بكر وعمر وتمسكوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه([42])، دل هذا الحديث دلالة صريحة على أحقية خلافة عمر رضي الله عنه فقوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين. بفتح الذال أي الخليفتين اللذين يقومان من بعدي أبو بكر وعمر، فأمره صلى الله عليه وسلم بطاعتهما. يتضمن الثناء عليهما لكونهما أهلاً لأن يطاعا فيما يأمران به وينهيان عنه المؤذن بحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وإيماء لكونهما الخليفتين من بعده وسبب الحث على الاقتداء بالسابقين الأولين ما فطروا عليه من الأخلاق المرضية والطبيعة القابلة للخير ولذلك كانوا أفضل الناس بعد الأنبياء وصار أفضل الخلق بعدهم من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين([43]).


.

4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بينما أنا نائم إذ رأيت قدحاً أتيت به فيه لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب )) قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: العلم([44]).

ففي هذا الحديث إشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه: والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فإن مدة
أبي بكر كانت قصيرة فلم تكثر فيها الفتوح التي هي من أعظم الأسباب في الاختلاف ومع ذلك فساس عمر فيها – مع طول مدته – الناس بحيث لم يخالفه أحد ثم ازدادت اتساعاً في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافاً، والفتن إلا انتشاراً([45])، فالحديث فيه إشارة واضحة إلى أحقية خلافة الفاروق رضي الله عنه([46]).



.

5- عن أبي بكر أن النبي r قال ذات يوم: من رأى منكم رؤيا؟ فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان فرأينا الكراهية في وجه رسول الله r([47]).

في هذا الحديث إشارة إلى ترتيب الثلاثة في الفضل، فأفضلهم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم أجمعين كما أن الحديث تضمن الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وأنه يلي الخلافة بعد الصديق رضي الله عنه وقوله في الحديث: فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لما علم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور وظهور الفتن بعد خلافة عمر([48]).


.

6- عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظللة تنطف([49]) السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون([50]) منها: فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اعبرها قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذ به رجل فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً. قال: فوالله
يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت. قال: لا تقسم([51]). تضمن هذا الحديث الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه ووجه ذلك أن قوله في الحديث: ثم أخذ به رجل آخر فعلا به. هو أبو بكر رضي الله عنه وقوله ثانياً: ثم أخذ به رجل آخر فانقطع إشارة إلى خلافة الفاروق رضي الله عنه([52]).


.

7- عن أنس رضي الله عنه قال: بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من ندفع صدقاتنا بعدك قال: فأتيته فسألته فقال: إلى أبي بكر. فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا: ارجع إليه فسله فإن حدث بأبي بكر حدث فإلى من؟ فأتيته فسألته فقال: إلى عمر، فأتيته فأخبرتهم([53])…

اشتمل هذا الحديث على الإشارة إلى أحقية خلافة عمر رضي الله عنه وأنه يلي أمر المسلمين بعد وفاة الصديق رضي الله عنه([54]).


.

8- ومما دل على أحقية خلافته رضي الله عنه اجتماع الصحابة على أنهم لا يقدمون إلا أفضلهم وأخيرهم مع قول أبي بكر وعلي رضي الله عنهما فيه، فأما قول
أبي بكر رضي الله عنه فيه فهو قوله: اللهم أمرت عليهم خير أهلك([55])، وأما قول علي رضي الله عنه فهو ما رواه البخاري عن محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن
أبي طالب قال: قلت لأبي أي الناس خير بعد رسول الله: قال أبو بكر قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر وخشيت أن يقول: عثمان. قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين([56])، فهذه الأحاديث التي ذكرتها فيها الدلالة الواضحة على أحقية عمر رضي الله عنه([57]).

قال السفاريتي رحمه الله: أعلم أن خلافة سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه مرتبة ولازمة لأحقية خلافة الصديق الأعظم أبي بكر رضي الله عنه وقد قام الإجماع وإشارات الكتاب والسنة على أحقية خلافته فما ثبت للأصل الذي هو الصديق من أحقية الخلافة يثبت لفرعه الذي هو عمر بن الخطاب فيها فلا مطمع لأحد من فرق الضلال في الطعن والنزاع في أحقية الخلافة وقد علم أهل العلم علماً باتاً ضرورياً أن الصحابة الكرام أجمعوا على تولية الصديق الخلافة ومن شذ لا يقدح في ذلك من غير مرية([58]).

.



شَنَجُ الرَبيعْ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس