الموضوع
:
●● |نقاش الكتب الادبية || ●●
عرض مشاركة واحدة
08-04-2022, 01:25 PM
#
436
كيلوا الذي يكتب
كيلوا الذي يكتب
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى كيلوا الذي يكتب
البحث عن المشاركات التي كتبها كيلوا الذي يكتب
موعدنا بعد ألف عام
معلومات
الجوائز
الإتصال
رقـم العضويــة:
477232
تاريخ التسجيل:
Feb 2018
العـــــــــــمــر:
30
الجنس:
المشـــاركـات:
139
نقـــاط الخبـرة:
41
الأوسمة
رد: ●● |نقاش الكتب الادبية || ●●
رحّب الناس بالشائعات التي انتشرت أخيرا، فقد كانت حلوقهم تعاني جفافا شديدا، وفي حاجة إلى أن ترتوي بـالقيل والقال، والسوالف عن فلان وعلّان.
ولمّا أقبل هواء الصباح بأخبارٍ عن فتاةٍ تتلصص من النوافذ ولا ترعوي عن انتهاك مذكرات الآخرين، ضجّ الناس ضجيجا عظيما، وأنغضوا رؤوسهم مستائين، وتأسفوا كيف أن الإنسان في هذا الزمان لا يأمن على نفسه ولا خصوصياته.
على أنهم رغم ما أظهروه من استياء، كانوا في حقيقتهم يوشكون أن يتراقصوا طربا، فإن الذي حدث قد أوجد لهم مادة للحديث تكفيهم شهرا أو أكثر، فليس أحلى من أن تخوض في سمعة الآخرين وأنت في أمان، تقف بهيئة الشريف المحافظ الخالص من العيوب، وسوف يظل الرجال والنساء يذكرون سالفة هذه الفتاة في غدوّهم ومراحهم،
ويستزيدون تفاصيل جديدة فيها، حتى يفتر الطعم، وتمل الألسن، وتبحث لها عن سالفة جديدة.
أمّا أنا، فقد كان المهم عندي أن أقبض أطراف الشائعة من غرباء الأطوار من الناس وأعلم آراءهم فيها، قبل أن تبرد حرارتها في النفوس، وتخبو الرغبة فيها، وذلك لأن غرباء الأطوار هم أحسن من يروي القصص، وإن الاستماع إليهم هو عندي من أعظم ما في الحياة من متع وملذات. وما أزال أقول للآخرين:
هبوا أن الدنيا خلت من غرباء الأطوار ولم يبق فيها إلا العقلاء الأسوياء... إن الناس في دنيا كهذه، حقيقون بأن يموتوا من الملل.
ومهما اختلف معي الناس، فقد ذهبت إلى ألوان من الغرباء، وشققت معهم حدود الكُلفة، فخابرتهم وسمعت منهم، ولم أُغرِق معهم في الكلام حتى أستبقي للحديث لذّة، أحصّلها منهم حينما تُذاع شائعات جديدة.
ودونكم ما دار من كلام:
غريب الأطوار الأول: حديث العاشق الولهان
هو شاب ظريف وسخيف في آن، وفي الأصل أنه ليس عاشقا ولا ولهان، ولكنه ينظر إلى أشياء الدنيا نظرة رومانسية، فإذا قلت له: إن سماء الصباح جميلة، فسيقول: وذلك لأنها اغتسلت بشعاع الشمس، وتزيّنت بالناعم من السحاب. وإذا عبرت عن نفسك بعفوية: ما أكبر التعب في الدنيا! فسوف يقول: إنه التعب الذي يجعل الراحة لذيذة، فيا ما أحلى التعب وما أجمله!
وكذلك هو أسلوب حديثه، فسمّاه الناس العاشق الولهان، وإنني أوشك أحيانا أن أنهره حتى يترك عنه هذه السخافات، ولكني أحجم عن ذلك حتى لا تنقطع صلتي به.
وجلست إليه وقلت:
-بلغتك أخبار الفتاة المتلصصة، فماذا تقول؟
قال:
-إن كلمة فتاة عندي تعني الرقّة واللطف والجمال، فلا يجوز أن ترتبط هذه الكلمة الجميلة إلا بالكلمات الجميلة.
قلت:
-إذن فإن هذه الفتاة بما فعلت قد أفسدت عندك معنى كلمة "فتاة"، فهي ربطتها بالتلصص، وهذه كلمة ذات وقع سيِّئ على الأسماع.
قال العاشق الولهان:
-كلا، بل أصبح التلصص رقيقا ولطيفا وجميلا.
ثم تنهّد كما يتنهّد العاشقون الولهانون. فصحت به:
-كف عن السخافات والترّهات!
ماذا تقول في المذكرات التي نشرتها؟
قال:
-وأنا كذلك استثقلت كُتَّابا كما استثقلت كاتبة السطور هرمان هسّه، فإنني سمعت حديثا طويلا معسولا عن رواية اسمها: "لو أن مسافرا ذات شتاء"، قفرأتها باحثا عن الجمال، فإذا هي مللٌ طويل مرير، وقرأت مرة في رواية: المقامر، لأديب روسي كبير، فإذا هي خالية من الجمال كأنها لأديب غرٍّ صغير.
قلت:
-هل تقول شيئا أخيرا؟
قال العاشق الولهان وتعبير خياليٌّ يرتسم على وجهه:
-غير أني أتساءل كيف تجرأت هذه الفتاة على إضاعة وحي القلم. يا لها من جرأة! يا لها من جرأة!
فقمت عنه، وانتهى الحديث.
غريب الأطوار الثاني: حديث بخور السوق
هي امرأة طويلة فارعة، لا تناطح السحاب ولكنها تناطح الرجال، ويهابها كثيرون من الأشداء ذوي الشوارب، لطول قامتها وطول لسانها. ولأنها لا ترتدع من أحد ولا تخاف، فإنها تسير كما تريد وتقول ما تريد، فالأخبار على لسانها تتدافع متتابعة مثل تدافع مياه الوديان، والهمز واللمز هو ريوقها وغداؤها وعشاؤها، وإذا كانت صائمة يوما، صار سحورها وفطورها.
فعرفها الناس ببخور السوق، وليست تمانع أن تُنادى بذلك لأنها تقول إن رائحة البخور طيبة،
وتبقى أكثر من غيره من المعطّرات.
وجلست إليها وقلت:
-بلغتك أخبار الفتاة المتلصصة، فماذا تقولين؟
قالت:
-ما أحمق الناس، وما أكبر غباءهم!
قلت:
-لماذا؟
قالت بخور السوق:
-يتركون نوافذهم مفتوحة ثم يلومون الآخرين على النظر منها. ثم إذا تلكمنا بما رأينا، راحوا يصيحون مثل النواعير الجارية: "نحن لسنا في أمان من المتلصصين." إنه لا يصح إلا الصحيح، والصحيح هنا أن تبقى النوافذ مغلقة دائما، ولماذا يفتحها الناس في الأصل؟ فنحن نستطيع أن نتنفس من غير فتحها، والعلم الحديث زودنا بالمكيفات، ولسنا في حاجة للشمس أن تدخل بيوتنا، فهي تجعل الجو حارا ولا يطاق.
ثم هزت رأسها تأكيدا على كلامها، فاهتزت معه قامتها الطويلة كعمود معدني شديد الصلابة، يهدد من يخالفه بالضرب.
قلت خائفا ومجاملا:
-ما أعمق الحكمة في كلامك!
وماذا تقولين في المذكرات التي نشرتها؟
قالت:
-الحق أن الكتب مملة والفارغون هم الذين يضيعون حياتهم بقراءتها، وعندي –أنا وحدي- من الأخبار والحوادث ما يضاهي ألف كتاب، هذا وأنا لم أقرأ كتابا واحدا في حياتي.
وأنا أفهم مما شائع من تلك المذكرات، ما لا يفهم العاكفون على القراءة الذين لا يتحركون من مواضعهم كأنهم أصنام.
خذ مثلا مذكرة الأول من جمادى الأولى.
المشكلة هنا أن الناس لا يفهمون أنه من الأفضل الاكتفاء بما نسمع وعدم البحث في الواقع،
فالسمع ممتع ويداعب الخيال، ومنه يستلذ الناس خلق القصص، أما الواقع، فممل وجامد، ويخيب الآمال.
ومن أجل ذلك انصدم ذاك الرجل بالكاتب المدعو محفوظ، لأنه لم يكتفي بما سمع عنه ولكنه بحث في الواقع.
ومن أجل ذلك أيضا، يجب على الناس ألا يبحثوا في ما أذيع من أخبار، بل يجب يسلموا بكل ما أقول،
فإن رائحة البخور طيبة، ولكن أصله في الواقع حطبٌ ميت.
وإن اجترؤوا على أن يبحثوا، فسوف يعلمون كم هو موجع أن تكون خصم هذا اللسان.
قلت:
-هل تقولين شيئا أخيرا؟
قالت بخور السوق وقد توقدت عيناها غضبا:
-وصلني أن كتاب وحي القلم، كتاب عظيم جدا، وأنه من العيب أن يضيعه أحد. فكيف أضاعته هذه الفتاة! يا للعيب! يا للعيب!
فقمت عنها، وانتهى الحديث.
،
غريب الأطوار الثالث: حديث حارس الليل
هو رجل موكل بحراسة الليل. يحرسه من ماذا؟ الله أعلم.
من وكله بالحراسة؟ الله أعلم.
هل يحرس الليل في كل ليلة؟ نعم، والله أعلم.
وإنني أعرف عنه أكثر من غيري، فالآخرون يحسبونه ممسوسا يرابع الجن، ولست أنفي جازما بأنه لا يكلم الجن، ولكنه أحسن أخلاقا من كثير من الإنس، فإنه على الأقل لا يؤذي أحدا، وليس له شأن بالآخرين، فلعله تعلم من الجن الذين يحادثهم المروءة والأخلاق.
وإنه من الصعب أن يستخرج المرء من هذا الرجل حديثا، فهو غير مهتم، وليس يبالي بفتاة تتلصص أو آخرى تكتب مذكرات.
وجلست إليه وقلت:
-بلغتك أخبار الفتاة المتلصصة، فماذا تقول؟
قال:
-الليل اليوم هادئ ومريح.
قلت:
-ونور القمر جميل.
قال:
-ونور القمر جميل.
قلت:
-والفتاة؟
قال:
-الليل الآن في أوج الظلمة.
قلت:
-والمذكرات؟
قال:
-الليل الآن ساحر. انظر إلى جماله.
وكذلك ظل الحديث بيننا عبثا وتخليطا، وبعد مزيد من الهذيان عن الليل وسحره وظلمته وأصواته، رأيت أن أعابثه ممسكا طرفه الضعيف.
قلت:
-الفتاة ستفسد الليل!
قال مهتما:
-كيف ذلك؟
قلت:
-ألست تراها اجترأت نهارا على اختلاس القراءة في مذكرات ولم تبالي. فكيف بها ليلا حيث تتخفّى بلحاف من الظلمة، ويصعب كشفها، فتروح إلى نوافذ الناس الأبرياء المساكين وتقرأ مذكراتهم.
سيفسد أوج الظلمة! سيفسد الليل!
قال مرتبكا:
-وسيفسد سحره! وسيغلق الناس نوافذهم عن نور القمر!
قلت منتهزا الفرصة:
-فما تقول؟
قال حارس الليل:
-ستبقى عيني يقظة تراقب الدخلاء على الليل، وسأحفظ ما بيني وبينه من عهود، ومنها أن الناس يحبون قراءة الأخوة كرامازوف ليلا، لأنها رواية طويلة مثل الليل.
كلا... هي رواية طويلة مثل الليل في الشتاء، وليس كأي ليل. وتلك الفتاة ارتكبت المحظور بأن أذاعت مذكرة السادس من رمضان، فقد حرقت بها الأحداث على قراء الليل الأبرياء، فيا له من جرم عظيم ارتكبته! ويا له من انعدام مبالاة بالآخرين، كيف يمكن أن تنام ليلا من غير أن يستيقظ فيها الضمير!
قلت:
-هل تقول شيئا أخيرا؟
قال حارس الليل ناظرا في أوج الظلمة:
خبرني نفر من الجن، بأنها أضاعت كتاب وحي القلم. يا له من جرم! يا له من جرم!
فقمت عنه هاربا، وانتهى الحديث.
،
هذا، وقد استبقيت لنفسي أخبارا من غرباء أطوار آخرين، وفضلت عدم نشرها، إذ يكفي الفتاة ما قيل وسيقال في شأنها، وإننا لنأمل أن ينتبه الناس على مذكراتهم، فلا يصح أن يتركوها ملقاة كأنها سقط المتاع، وإن لم يفعلوا ذلك، فإن الشائعات ستنتشر من جديد، وليس المهم عند الناس صدقها أو كذبها، ولكن المهم أن يجدوا ما يشغلون به أفواههم، فليس أحلى من الحديث... أجل، ليس أحلى منه.
التعديل الأخير تم بواسطة كيلوا الذي يكتب ; 08-04-2022 الساعة
02:14 PM
الأوسمة والجوائز لـ
كيلوا الذي يكتب
لا توجد أوسمـة لـ
كيلوا الذي يكتب