عرض مشاركة واحدة
قديم 07-30-2022, 02:24 PM   #435
في المَنفى
 
الصورة الرمزية о n e e - ѕ α η
رقـم العضويــة: 301814
تاريخ التسجيل: Jan 2014
الجنس:
المشـــاركـات: 4,141
نقـــاط الخبـرة: 1629

افتراضي رد: ●● |نقاش الكتب الادبية || ●●


مذكرات منسيَّة

لو شققتُم عن صدري لأدركتم أني لم أكذب قط، وأن كلَّ ما نطقت به صحيحٌ في جملتهِ وتفصيلهِ، ومن ثمَّ ستعلمون حينها أن مروري بتلك النافذةِ المفتوحة لم يكن إلا بمحض الصدفة المُطلقة وأني لم أقصد التلصص ولا التطفل، ولم أتعمد استراق النظر ولا مدَّ البصر.
وفي حال سُئلتُ عن ملابسات هذهِ الحادثة لأجبت على الأثر وبِلا تردد، مع أن ذاكرتي قد لا تُسعفني في ذكر كلِّ ما جرى على وجهِ الدقة المُبتغاة.
الزمن؟ قبيل المغيب بهنيهات، السماء؟ زرقاء خضَّبها الغروب ببقع حمراء قانية، الغيوم؟ نُتف مبعثرة لا تُنبئ عن هطول قطرة مطرٍ واحدة، الشمس؟ قد هوت من عرشها في كبد السماء وشرعت في الأفول، المكان؟ أمام غرفةٍ غارقة في صمتٍ موحش ومتسربلةٍ في عباءةٍ من الظلام إلا قليلًا، أما أنا؟ فلم تكن عيناي لتلحظ شيئًا لولا شعاع شمس الأصيل الذي كان يتسرَّب من النافذةِ فيسقط على الطاولة الخشبيّة ويجلل ما عليها. وثمَّة كراسة بالية تحتل ركنًا من الطاولة هي أوفر الجمادات حظًا بهذا النور الرقيق الخافت.
وفي لحظةٍ من اللحظات وبقدرةِ قادر هبَّت نسمةٌ عليلة وجعلت تُقلب صفحات الكرَّاسة -أو ربَّما فعلت أنا ذلك عن غير قصد- وأخذت الأوراق الصفراء المهترئة ترفرف وتُصفق بفعل النسمةِ البريئة كأنها جناح طائر بلله القطر.
ثم انكشف ما بالأوراق، وظهر أنها مزدحمة بالخربشات والجمل والكلمات حتى لا تكاد ترى موطئ قدم (أو موطئ حبر إن شئت)، واستطعت ساعتها -بقدرةِ قادرٍ أيضًا- أن أميَّز اسم صاحب الكراسة؛ كان «كاتبة السطور» أو ربما «كاتبة الحروف» ولا أستبعد أن تكون «كاتبة الأرقام»، شيء من قبيل هذه الأسماء الغريبة الفارغة من أي معنى.
تضمنت الكراسة مذكرات مؤرخة ومسودات لرسائل وقصصًا قصيرة ونصوصًا متفرقة وضروبًا أخرى من جنس هذا الكلام العصي على الفهم، ولا أكتمكم أن نوبةً من الإحباط ألمَّت بي حالما اطلعت على محتوى الكراسة، إذ حسبتها تضمُّ طائفة من مسائل التفاضل والتكامل أو عناصر الجدول الدوري أو أسباب الضمور الاقتصادي في الدول النامية أو نظريات أرسطو وغوته وجان روسو أو من شاكلة هذه الأشياء ذات القيمة العالية. (وليس الأمر بأني رغبت في الاستفادة منها ببيعها أو ما شابه)
وقد قرأت -على سبيل الصدفة كما اتَّفقنا وليس فضولًا مني- صفحات قليلة منها (أو ربما قرأتها كلها، لا فرق)، وسأورد لكم جزءًا مما دوِّن فيها وأعدكم أني سأتوخى الدقة قدر الاستطاعة.







هذا مُنتهى ما استطعت كتابته من الكراسةِ البالية، على أنه فَضُل منها أوراق وفيرة ملأى بهذا الكلام الفارغ، إلا أني لم أرد سرده كله رغبةً في الإيجاز وهربًا من الإطناب. أما الأحداث التي وقعت بيني وبين الكراسة بعد ذلك فلا أظنها تهمُّ أحدًا على الإطلاق، لذا لا أرى موجبًا لذكرها، ويحسن -بي وبكم- أن تغضُّوا الطرف عنها.
وإن شاء أحد أن يرميني بتهمةٍ أو يدينني بجريمةٍ -كالتلصص أو السرقة-؛ فهذا ما لا ترتضيه نفسي ولا هو بمذهبي ولا إليه غايتي، وليأتِ إن استطاع بدليل دامغ قاطع يؤيد حجته، فالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، ولا يظلم ربك أحدًا!
о n e e - ѕ α η غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس