-
لا أعتقد أنه من الأدب "الطرحيّ" أن أجاوب على أسئلة أنا وضعتها.
لذلك سأتكلم بشكل عام .
الوعي الكبير لدى المجتمع العربي زاد وأصبح غنياً جداً من ناحية العلم وتعدد مجالات العلم بشكل عام.
سواءً الشام تلك العواصم الحضارية وسيدتها إلى نجد ونُقْيَةِ أرضها .
لنعود لمحور حديثنا .. العلم والوعي في موضوع الإحتياجات الخاصة كان شحيحاً ! بل كان مُبكياً
جداً .. كان مؤلماً ليس هناك أي إهتمام لهم من ناحية توفير جميع المقومات التي يحتاجونها
لأن ذوي الإحتياجات الخاصة يحتاجون لرعاية خاصة -طبعاً ليس كل الحالات ، هناك حالات تعيش
حياة إنسان عادي- ، ما قصدته هو الرعاية من ناحية الصحيّة أولاً ، والمجتمعيّة أخيراً .
لنضرب مثلاً مرضى التوّحد هذا المرض الذي جعل أناساً يتفوقون في مواد الحساب ويصعدون
لمراكز عالميّة .
وجعل أناساً يُعانون تخلفاً عقلياً مما أربكهم وأربكَ أهلهم وفقدوا الأمل من علاجه ، كلامي
ليس من فراغ بل عشت تجربة مدتها 12 سنة مع مريضة توّحد -لا أفضل ذكر صلة القرابة-
كانت تجربة حزينة ، رائعة ، فوضوية ، منتظمة ، مُبكية ، مُضحكة .
أي مرض توّحد من أي الدرجات السِت -على ما أعتقد التوحد 3 او 6 درجات- ، من طيف التوحد
إلى التوحد الذي يلزمه تخلف عقلي ، قابل للتدريب .. نعم! أي شكل من أشكال التوحد قابل
للتدريب ! وبأي طريقة من الطرائق .. فالتوّحد ليس مرض . ، التوحد صفة زرعها الله لسبب وحده
يعلمه .. الله سبحانه إذا أحب عبداً إبتلاه
فالبلاء سواءً كان على مريض التوحد ، أو على ذوي المريض فالصبر والأجر هو ما يريدك سبحانه
أن تفعل .
كما ذكرت آنفاً ان مرضى التوحد قابلين للتدريب ولقد عشت 12 سنة مع حالتين ، حالة طيف توّحد
وحالة توحد عاديّة .. الإختلاف شاسع .. الإحتياجات مختلفة .. الرعاية مختلفة ، ولكن الإبتسامة
ليست كذلك ، نقيُّون جداً .
هنا بالمُجتمع العربيّ لدينا إهتمام "جيّد" بهذه الفئة وأخصّ الأردن -عشت فيها لفترة- والإمارات
بهذا الأمر أفضل دولتين عربيّتين من ناحية التعامل مع هؤلاء المرضى او ذوي الإحتياجات
بشتى الوسائل .. الأردن فيها عالأقل 20 مركز رعاية بأطفال التوّحد ولا يقل عن 50 نادي
للإهتمام الرياضي بذوي الإحتياجات الخاصة .
عندما ذهبت للأردن وجدت هناك طرق التعليم الفعّالة والجيدة ووجدت حالات كثيرة تعلمت وقبلت
التدريب ، ولكن ما زالت المقومات ليست كاملة وكذلك الإمارات .
-
لننتقل لفقرة مُهمّة وهي الوعي .
زرتُ أمريكا مع مريضة التوّحد في فترة من الفترات .. وكانت تريد ان تركب دائرة الخيول تلك
المزيّنة بألوانٍ وأغاني ، فأعطيت العاملة 5 دولارات ولعبت وعندما خرجت سألتني العاملة :
هل هذه الفتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة ؟ فأشرت برأسي مُصيباً .
فقالت : تفضّل هذه الخمسة دولارات التي اعطيتني إياها ، هؤلاء المرضى مساكين ومن غير
العدل أن نأخذ عليهم ولو فلساً واحداً .
على الصعيد الآخر في المجتمع العربي عندما علموا أن تلك الفتاة مريضة توّحد أتو لي بورقة
تعهد إخلاء مسؤوليّة من طرفهم أن إذا مس الفتاة أي شيء فإنني كنت مرافقاً معها وأتحمّل
كامل المسؤولية .
لذلك الأمر مؤلم ، ولكن الحمدلله الآن بدأت تظهر بعض البوادر لإنشاء ألعاب مجانيّة خاصة بهؤلاء
الأطفال المرضى .
-
مرضى الداون سندروم .
قابلت أربع شّبان .. أعمارهم ما بين 20-23 .. كلهم لديهم حزام اسود برياضةِ الكاراتيه دان 1 .
كيف تعلمُّوا هذا الفن الصعب ؟ وحصلوا على دان 1 أيضاً !
ذُهلت بمقدرتهم على مجاراة أقوى اللاعبين ، لأنهم أحبو تلك الرياضة وعشقوا أنفسهم فيها.
-
مريض التوحد التركيز في حواسه عالية جداً جداً جداً ..لذلك عندما يذهب لمكان يكون الصوت
فيه عالي يبدأ بخيارين .. إما أن يخاف ويبدأ بالبكاء .. أم يتضايق ويستاء وينسدح أرضاً معبراً
عن إستياءه .
بسبب ان التركيز لدى مرضى التوحد عالي جداً فنشأت أول تجربة بالسويد عام 1986 م .
أتوا بشخص عادي وذكاءه عالي بالرياضيات .. وأتو بمريض توّحد دربوه على مادة الحساب والجبر
وإلخ ..
ذلك العاقل ذكي بالفطرة والمريض مُتدرب .. تفوّق مريض التوحد بـ 890 علامة على الإنسان العاقل.
وكان أسرع من العاقل بالعمليات الحسابية ب3دقائق ونصف بمعدل ثانيتين للإجابة لكل سؤال
وكان كل سؤال أصعب من الآخر .
-
لم أرد أن أتكلم من الناحية الدينيّة عن هؤلاء الأفراد الرائعين بالمجتمع ولا مواقف المجتمع إتجاههم
لأن الوعي بالوطن العربي كبير الآن وتوقفت مناوشات سخيفة كهذه ولله الحمد
الناحية الدينيّة وسيعة جداً ولكن أقول أن أي أحد تعامل مع مريض أيا كان .
فله أجر كبير في إبتسامة ذلك المريض لك وإبتسامتك له وتسليتك له وهو يسليك أيضاً .
الفتاة التي عشت معها 12 عاماً توفت ولكنني لم أنسها قط وتعمدت هذا المنبر فقط
لكي أريكم مقدرة هؤلاء الناس على فعل كل شيء ولو كان عاجزين من عقلهم
أو لديهم بعض الصعوبات
أعتذر عالإطالة . شكراً لكم